ممن سمعه أن يرجع إليه ويقول به ليكون من أهله من رد الحق فما صدق ذلك القول فيما دل عليه قاله من قاله فذمه الله وقال ولكن استدراك لتمام القصة كذب من أتى به إليه وهو الرسول ص وكذب الحق إما بجهله فلم يعلم أنه الحق وإما بعناد وهو على يقين أنه حق في نفس الأمر فغالط نفسه لكون هذا الرسول جاء به كما قال في حق من هذه صفته وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ثم قال وتولى بعد تكذيبه بالحق وبمن جاء به فتولى عن الحق ثم ذهب إلى أهله يتمطى وهذا شغل المتكبر المشغول الخاطر المفكر الحائر الذي كسله ما سمعه فإنه بالوجه الظاهر يعلم أنه الحق لأن المعجزة لم يأت بها الله إلا لمن يعلم أن في قوته قبولها بما ركب الله فيه من ذلك ولذلك اختلفت الدلالات من كل نبي وفي حق كل طائفة ولو جاءهم بآية ليس في وسعهم أن يقبلوها لجهلهم ما آخذهم الله بإعراضهم ولا بتوليهم عنها فإن الله عليم حكيم عادل ومن تأخر عن حق غيره إلى ما يستحقه في نفسه فقد أنصف من نفسه ولم يتوجه لصاحب حق عليه طلب فحاز الخير بكلتي يديه فوقفه الله على جوامع الخير كله فإنه من أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فإن الحكيم هو الذي ينزل كل شئ في مرتبته ويعطي كل ذي حق حقه فله الحجة البالغة والكلمة الدامغة ولم تنقطع مشاهدته ولم تتأخر المعونة الإلهية في عبادته عن مساعدته فإنا فرضناه عبد السيد ما فرضناه ملكا فإن الملك قد يكون فيمن يعقل عبوديته وفيمن لا يعقلها فالعبد حاله السمع والطاعة لسيده وما عدا العبد فهو ملك يتصرف فيه المالك كيف يشاء من غير أن يتعلق به ثناء يعدم منعه من التصرف فيه بخلاف من يعقل وهو العبد فإذا قام في تصريف الحق فيه مقام الأموال أثنى الله عليه بذلك لأن الله قد خصه في نشأته بقوة المنع والرد لكلمة الحق ومكنه من الطاعة والمعصية فهو لما استعمله من ذلك فوقع الثناء عليه كما أثنى الله على الملائكة بقوله لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون فلو لم يكن في قوتهم ونشأتهم ما يقتضي رد أمر الله وما يقتضي قبوله ما أثنى الله عليهم بما أثنى به من نفي العصيان عنهم وفعلهم ما أمرهم به فإن المجبور لا ثناء عليه ألا ترى إلى المصلي إذا وقف بين يدي ربه في الصلاة يتكتف شغل العبد الذليل بين يدي سيده في حال مناجاته والسنة قد وردت بذلك وهو أحسن من إسبال اليدين وذلك أن الله تعالى لما قسم الصلاة بينه وبين عبده نصفين فجزء منها مخلص له تعالى من أول الفاتحة إلى قوله يوم الدين فهذا بمنزلة اليد اليمنى من العبد لأن القوة لله جميعا فأعطيناه اليمين والجزء الآخر مخلص للعبد من قوله اهدنا إلى آخر السورة فهذا الجزء بمنزلة اليد اليسرى وهي الشمال فإنه الجناب الأضعف والعبد هذه مرتبته فإنه خلق من ضعف ابتداء ورد إلى ضعف انتهاء وجزء منها بين الله وبين عبده فجمع هذا الجزء بين الله وعبده وهو قوله إياك نعبد وإياك نستعين فلهذا الجمع جمع العبد بين يديه في الصلاة إذا وقف فكملت صلاة العبد بجمعه بين يديه وصورة هذا التكتيف أن يجعل اليمنى على اليسرى كما قررناه من أن اليمين لله فلها العلو على الشمال وصورتها أن يجعل باطن كفه اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد ليجمع بالإحاطة جميع اليد التي أمر الله عبده في الوضوء للصلاة أن يعمها بالطهارة فأخذ الرسغ وما جاوره من الكف والساعد فانظر إلى هذه الحكمة ما أجلاها لذي عينين ثم نهى النبي ص أن يرفع المصلي عينيه إلى السماء في صلاته فإن الله في قبلة العبد ولا يقابله في وقوفه إلا الأفق فهو قبلته التي يستقبلها ويحمد له أن ينظر إلى موضع سجوده فإنه المنبه له على معرفة نفسه وعبوديته ولهذا جعل الله القربة في الصلاة في حال السجود وليس الإنسان بمعصوم من الشيطان في شئ من صلاته إلا في السجود فإنه إذا سجد اعتزل عنه الشيطان يبكي على نفسه ويقول أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار (الوصل الثامن) من خزائن الجود وهو متعلق بهذا الوصل الذي فرغنا منه وهو أن العبد متأخر في نفس الأمر عن رتبة خالقه وقد حيل بينه وبين شهود ذلك بما جعل الله فيه من النسيان والسهو والغفلة فيتخيل إن له قدما في السيادة والحال تشهد بخلاف ذلك فهو بالحال محقق وفي نفس الأمر على ما هو عليه صاحب الشهود ولا سعادة له في ذلك بل له الشقاء وهذا غاية الحرمان ولا يزال كذلك حتى ينكشف الغطاء فيحتد البصر فيرى الأمر على ما هو عليه فيؤمن به فما ينفعه إيمانه فإن الايمان لا يكون إلا بالخبر لا بالعيان فليس المؤمن إلا من يؤمن بالغيب وهو الخبر الذي جاء من عند الله فإن الخبر بما هو خبر يقبل الصدق والكذب كالممكن يقبل
(٣٧٩)