عباده أن يعاملوه به عاملهم به فعم أحكام الشرائع كلها وحكم بذلك على نفسه كما حكم على خلقه وأن مكارم الأخلاق في الأكوان هي الأخلاق الإلهية (الوصل الثامن عشر) من خزائن الجود يتضمن فضل الطبيعة على غيرها وذلك لشبهها بالأسماء الإلهية فإن العجب ليس من موجود يؤثر وإنما العجب من معدوم يؤثر والنسب كلها أمور عدمية ولها الأثر والحكم فكل معدوم العين ظاهر الحكم والأثر فهو على الحقيقة المعبر عنه بالغيب فإنه من غاب في عينه فهو الغيب والطبيعة غائبة العين عن الوجود فليس لها عين فيه وعن الثبوت وليس لها عين فيه فهي عالم الغيب المحقق وهي معلومة كما إن المحال معلوم غير إن الطبيعة وإن كانت مثل المحال في رفع الثبوت عنها والوجود فلها أثر ويظهر عنها صور والمحال ليس كذلك ومفاتيح هذا الغيب هي الأسماء الإلهية التي لا يعلمها إلا الله العالم بكل شئ والأسماء الإلهية نسب غيبية إذ الغيب لا يكون مفتاحه إلا غيبا وهذه الأسماء تعقل منها حقائق مختلفة معلومة الاختلاف كثيرة ولا تضاف إلا إلى الحق فإنه مسماها ولا يتكثر بها فلو كانت أمورا وجودية قائمة به لتكثر بها فعلمها سبحانه من حيث كونه عالما بكل معلوم وعلمناها نحن باختلاف الآثار منهما فينا فسميناه كذا من أثر ما وجد فينا فتكثرت الآثار فينا فكثرت الأسماء والحق مسماها فنسبت إليه ولم يتكثر في نفسه بها فعلمنا أنها غائبة العين ولما فتح الله بها عالم الأجسام الطبيعية باجتماعها بعد ما كانت مفترقة في الغيب معلومة الافتراق في العلم إذ لو كانت مجتمعة لذاتها لكان وجود عالم الأجسام أزلا لنفسه لا لله وما ثم موجود ليس هو الله إلا عن الله وما ثم واجب الوجود لذاته إلا الله وما سواه فموجود به لا لذاته فالسر معقول النسب وإلا خفي منها أعيانها فبالمشيئة ظهر أثر الطبيعة وهي غيب فالمشيئة مفتاح ذلك الغيب والمشيئة نسبة إلهية لا عين لها فالمفتاح غيب وإن لم تثبت هذه النسب في العلم وإن كانت غيبا وعدما فلم يكن يصح الوجود لموجود أصلا ولا كان خلق ولا حق فلا بد منها فالغيب هو النور الساطع العام الذي به ظهر الوجود كله وما له في عينه ظهور فهو الخزانة العامة التي خازنها منها وإن أردت أن يقرب عليك تصور ما قلت فانظر في الحدود الذاتية للمحدود التي لا يعقل المحدود إلا بها وينعدم المعلوم بعدمها ويكون معلوما بوجودها اتساعا وإن لم توصف بالوجود وذلك إذا أخذت في حد الجوهر مثلا أعني الجوهر الفرد فتقول فيه هو الشئ فجئت بالجنس الأعم والشيئية للأشياء ليست وجودية ولا بد فيدخل فيها كل ما هو محدود بشئ مما يقوم بنفسه ومما لا يقوم بنفسه فإذا أردت أن تبينه ولا تتبين المعلومات إلا بذاتها وهو الحد الذاتي لها فتقول الموجود فجئت بما هو أخص منه فدخل فيه كل موجود وانفصل عنه كل من له شيئية ولا وجود له ثم قلت القائم بنفسه وهذه كلها معان معلومة هي للمحدود المعلوم بها صفات والصفة لا تقوم بنفسها وباجتماع هذه المعاني جاء منها أعيان وجودية تدرك حسا وعقلا فخرج منه كل موجود لا يقوم بنفسه ثم تقول المتحيز فيشركه غيره ويتميز عنه بهذا غير آخر والتحيز حكم وهو ما له قدر في المساحة أو القابل للمكان ثم تقول الفرد الذي لا ينقسم ذاته فخرج عنه الجسم وكل ما ينقسم ثم تقول القابل للاعراض فخرج منه من لا يقبل الأعراض ودخل معه في الحد من يقبل الأعراض وبمجموع هذه المعاني كان المسمى جوهرا فردا كما بالتأليف مع بقية الحدود ظهر الجسم فلما ظهر من ائتلاف المعاني صور قائمة بنفسها وطالبة محال تقوم بها كالأعراض والصفات علمنا قطعا إن كل ما سوى الحق عرض زائل وغرض ماثل وإنه وإن اتصف بالوجود وهو بهذه المثابة في نفسه في حكم المعدوم فلا بد من حافظ يحفظ عليه الوجود وليس إلا الله تعالى ولو كان العالم أعني وجوده لذات الحق لا للنسب لكان العالم مساوقا للحق في الوجود وليس كذلك فالنسب حكم لله أزلا وهي تطلب تأخر وجود العالم عن وجود الحق فيصح حدوث العالم وليس ذلك إلا لنسبة المشيئة وسبق العلم بوجوده فكان وجود العالم مرجحا على عدمه والوجود المرجح لا يساوق الوجود الذاتي الذي لا يتصف بالترجيح ولما كان ظهور العالم في عينه مجموع هذه المعاني فكان هذا المعقول المحدود عرض له جميع هذه المعاني فظهر فما هو في نفسه غير مجموع هذه المعاني والمعاني تتجدد عليه والله هو الحافظ وجوده بتجديدها عليه وهي نفس المحدود فالمحدودات كلها في خلق
(٣٩٧)