ثلاثمائة خلق فلا بد أن يكون الإنسان من مؤمن وكافر على خلق من أخلاق الله وأخلاق الله كلها حسنة حميدة فكل ذات قام بها خلق منها وصرفه في الموضع الذي يستحقه ذلك الخلق فلا بد أن تسعد به حيث كانت من نار أو جنان فإنه في كل ذي كبد رطبة أجر ولا بد أن يحنو كل إنسان على أمر ما من خلق الله فله أجر من ذلك فدركات النار هي دركات ما لم ينقطع العذاب فإذا انتهى إلى أجله المسمى عاد ذلك الدرك في حق المقيم فيه درجة للخلق الإلهي الذي كان عليه يوما ما الله أكرم أن تنساك منته * ومن جيود إذا الرحمن لم يجد ولما جعل الله تعالى في المكلف عقلا وتجلى له كان له من جهة عقله ونظره عقد وعهد لله ألزمه ذلك النظر العقلي وهو الافتقار إلى الله بالذات وأمثاله ثم بعث إليه رسولا من عنده فأخذ عليه عهدا آخر على ما تقرر في الميثاق الأول فصار الإنسان مع الله بين عهدين عهد عقلي وعهد شرعي وأمره الله بالوفاء بهما بل طلبه الحال بذلك لقبوله فلما وقفت على هذين العهدين وبلغ مني علمي بهما المبلغ الذي يبلغه من شاهده قلت في القلب عقد حجى وعقد هداية * أتراه يخلص من له عقدان ربي بما أعطيتنيه علمته * ما لي لما حملتنيه تران ما كل ما كلفتنيه أطيقه * من لي بتحصيل النجاة وذان عقلا وشرعا بالوفاء يناديا * قلبي فما لي بالوفاء يدان إن كنت نعتي فالوفاء محصل * أو كنت أنت فما هما عنياني أما قولي إن كنت نعتي فهو قول رسول الله ص عن ربه إنه قال كنت سمعه وبصره ويده ومؤيده وكذلك إن كنت أعني نفسي أنت أي أنت الفاعل والموجد للعمل والوفاء لا أنا إذ لا إيجاد لمخلوق في عقدنا بل الأمر كله لله فما هما يعني العقل والشرع بحكمهما على عنياني وإنما عنيا من له خلق الأعمال والأحوال والقدرة عليها وإنما قلنا هذا لتحقق عند السامعين صدق الله في قوله وكان الإنسان أكثر شئ جدلا وأقوى الجدال ما يجادل به الله واعلم أن شجرة طوبى لجميع شجر الجنات كآدم لما ظهر منه من البنين فإن الله لما غرسها بيده وسواها نفخ فيها من روحه وكما فعل في مريم نفخ فيها من روحه فكان عيسى يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص فشرف آدم باليدين ونفخ الروح فيه فأورثه نفخ الروح فيه علم الأسماء لكونه مخلوقا باليدين فبالمجموع نال الأمر وكانت له الخلافة والمال والبنون زينة الحياة الدنيا وتولى الحق غرس شجرة طوبى بيده ونفخ الروح فيها زينها بثمر الحلي والحلل الذين فيهما زينة للابسهما فنحن أرضها فإن الله جعل ما على الأرض زينة لها وأعطت في ثمر الجنة كله من حقيقتها عين ما هي عليه كما أعطت النواة النخلة وما تحمله مع النوى الذي في ثمرها وكل من تولاه الحق بنفسه من وجهه الخاص بأمر ما من الأمور فإن له شفوفا وميزة على من ليس له هذا الاختصاص ولا هذا التوجه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الفصل الرابع) في فلك المنازل وهو المكوكب وهيأة السماوات والأرض والأركان والمولدات والعمد الذي يمسك الله السماء به أن تقع على الأرض لرحمته بمن فيها من الناس مع كفرهم بنعمته فلا تهوي السماء ساقطة واهية حتى يزول الناس منها اعلم أن الله خلق هذا الفلك المكوكب في جوف الفلك الأطلس وما بينهما خلق الجنات بما فيها فهذا الفلك أرضها والأطلس سماؤها وبينهما فضاء لا يعلم منتهاه إلا من أعلمه الله فهو فيه كحلقة في فلاة فيحاء وعين في مقعر هذا الفلك ثماني وعشرين منزلة مع ما أضاف إلى هذه الكواكب التي سميت منازل القطع السيارة فيها ولا فرق بينها وبين سائر الكواكب الأخر التي ليست بمنازل في سيرها وفيما تختص به من الأحكام في نزولها الذي ذكرناها في البروج قال تعالى والقمر قدرناه منازل يعني هذه المنازل المعينة في هذا الفلك المكوكب وهي كالمنطقة بين الكواكب من الشرطين إلى الرشاء وهي تقديرات وفروض في هذا الجسم ولا تعرف أعيان هذه المقادر إلا بهذه الكواكب كما أنه ما عرفت أنها منازل إلا بنزول السيارة فيها ولولا ذلك ما تميزت عن سائر الكواكب إلا بأشخاصها ومن مقعر هذا
(٤٣٦)