ألا تراهم يقولون في الكبرياء والعظمة والغني والعزة إنها صفات تنزيه أي هو منزه عندهم عن نقيضها وليس الأمر عند المحققين كما قالوه وإنما هو منزه عن قيام الكبرياء به بحيث أن يكون محلا له بل الكبرياء محله الذي عينه الحق له وهو السماوات والأرض فقال وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو أي هوية الحق العزيز أي المنيع لذاته أن تكون محلا لما هي السماوات والأرض له محل وليس إلا الكبرياء فما كبر إلا في نفس العالم وهو أجل من أن يقوم به أمر ليس هو بل هو الواحد من جميع الوجوه وهو الحكيم بما رتبه في الخلق ومن جملة ما رتبه بعلمه وحكمته إنه جعل السماوات والأرض محلا لكبريائه فكأنه يقول وله الكبرياء الذي خلقه في نفس السماوات والأرض حتى يكبروا إلههم به وكذلك وقع فكبروه في نفوسهم فقالوا إنه ذو الجلال أي صاحب الجلال الذي نجده في نفوسنا له والإكرام بنا فإن نظرت بعين الحقيقة ففتح الله منك عين الفهم علمت من سميت ومن وصفت ومن نعت ولمن هي هذه النعوت وبمن قامت وإلى أي عين نسبت وأما قوله فيما وصف به نفسه مما هو عند النظار صفة للخلق حقيقة وأخذوه في الله تجوزا من جوع وظمأ ومرض وغضب ورضي وسخط وتعجب وفرح وتبشبش إلى قدم ويد وعين وذراع وأمثال ذلك مما وردت به الأخبار عن الله على السنة الرسل وما ورد من ذلك في الكلام المنسوب إلى الله المعبر عنه بصحيفة وقرآن وفرقان وتوراة وإنجيل وزبور فالأمر عند المحققين أن هذه كلها صفات حق لا صفات خلق وأن الخلق اتصف بها مزاحمة للحق كما اتصف العالم أيضا بجميع الأسماء الإلهية الحسنى وأجمع النظار عليها والكل أسماؤه من غير تخصيص هذا مذهب المحققين فيه فإنه صادق ولهذا نحن في ذلك على التوقيف فلا نصفه إلا بما وصف به نفسه ولا نسميه إلا بما سمي به نفسه لا نخترع له اسما ولا نحدث له حكما ولا نقيم به صفة فإنه قد قدمنا لك أنه لا يماثلنا ولا نماثله فليس كمثله شئ منا وليس كمثلنا شئ منه فهو لنفسه بنفسه ونحن لنا به لأنا لا نستقل بوجودنا كما استقل هو إلا أنه خلق العالم على صورته ولذلك قبل التسمي بأسمائه فانطلق على العالم ما انطلق على الحق من حيث ما أطلقه الحق على نفسه فعلمنا أنه في أسمائه الأصل لا نحن فما أخذ شيئا هو لنا ولا نستحقه بل كل ذلك له ومن جملة ما خلق الله الخيال وظهر لنا فيه بهذه الأسماء والصفات ففصلنا وقسمنا ورفعنا وخططنا ولم يترك شيئا من صفات العالم عندنا إلا وصفنا بها خالقنا فكشف لنا فإذا ذلك كله صفاته لا صفاتنا فصفات العالم على الحقيقة هوية الحق والاختلاف في التجليات الإلهية لحقائق الممكنات في عين الحق فإنه عين الصورة التي أدركناها إذ لا نشك فيما رأينا إنا رأينا الحق بالعلامة التي بيننا وبينه وهو من هويته بصرنا وسمعنا فما رأيناه إلا به لا ببصرنا ولا سمعنا كلامه إلا به لا بسمعنا فلا بد من عين هو مسمى العالم ولا بد من عين هو مسمى الحق ليس كمثل واحد شئ من الآخر فهذا بعض ما يحوي عليه التواضع الكبريائي والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثامن والثمانون وثلاثمائة في معرفة منازلة مجهولة وذلك إذا ارتقى من غير تعيين قصد ما يقصده من الحق وكل شئ عند الحق معين فقد قصده من الحق ما لا يناسب قصده من عدم التعيين) نكون على النقيض إذا اجتمعنا * وإن بنا تكون على السواء وفي التحقيق ما في الكون عين * بلا شك سواه ولا مراء فقل للمنكرين صحيح قولي * عميتم عن مطالعة العماء وعن نفس تكون فيه خلق * كثير شكله شكل المرائي فيقلب صورة الرائي إليه * بحكم ثابت في كل رائي قال الله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة فعين لمعين وزاد غير غير معين سألت بعض شيوخنا عن الزيادة فقال ما لم يخطر بالبال وقال ص إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فلا بد أن يكون غير معلوم للبشر ولا بد أن يكون في البشر صفة غير معلومة ولا معينة منها يحصل له هذا الذي ذكر أنه ما خطر على قلب بشر موازنة مجهول لمجهول وقال تعالى فلا تعلم نفس فنكر ونفى العلم ما أخفي لهم من قرة أعين فعلمنا على الإجمال أنه
(٥٣٨)