الاختيار لجوزنا رجوع الحق إلى نفسه وليس الحق بمحل للجواز لما يطلبه الجواز من الترجيح من المرجح فمحال على الله الاختيار في المشيئة لأنه محال عليه الجواز لأنه محال أن يكون لله مرجح يرجح له أمرا دون أمر فهو المرجح لذاته فالمشيئة أحدية التعلق لا اختيار فيها ولهذا لا يعقل الممكن أبدا إلا مرجحا إلا أن الحق من كونه غفورا أرسل ستره وحجابه بين بعض عباده وبين إحالة رجوع الحق إلى نفسه في غناه عن العالم فقال في ذلك الستر والله غني عن العالمين وهذا ليس يتمكن الحكم به إلا ولا عالم أو يكون متعلق المشيئة الاختيار وكلا الأمرين مع وجود العالم لا يكون ولا واحد منهما فالمحجوب بهذا الحجاب يقول والله غني عن العالمين ولا يعلم صورة الأمر كيف هو والمرفوع عنه من العباد هذا الستر إذا قالها تلاوة وعلم متعلقها وما هو الأمر عليه الآن وما كان عليه الأمر وترك متعلق غناه فيما بقي من الممكنات لم يوجد فإنها غير متناهية بالأشخاص فلا بد من بقاء ما لم يوجد فبه تتعلق صفة الغني الإلهي عن العالم فإن بعض العالم يسمى عالما فمن فهم الغني الإلهي هكذا فقد علمه وأما تنزيه الحق عما تنزهه عباده مما سوى العبودية فلا علم لهم بما هو الأمر عليه فإنه يكذب ربه في كل حال يجعل الحق فيه نفسه مع عباده وهذا أعظم ما يكون من سوء الأدب مع الله أن ينزهه عما نسبه سبحانه إلى نفسه بما نسبه إلى نفسه فهو يؤمن ببعض وهو قوله ليس كمثله شئ ويكفر ببعض فأولئك هم الكافرون حقا فجعل العبد نفسه أعلم منه بربه نفسه وأكثر من هذا الجهل فلا يكون والعبد المؤمن ينبغي له أن ينسب إلى الحق ما نسبه الحق إلى نفسه على حد ما يعلمه الله من ذلك إذا لم يكن ممن كشف الله عن بصيرته حتى رأى الأمر على ما هو عليه وهذا هو الشرك الخفي فإنه نزاع لله تعالى خفي في العبد لا يشعر به كل أحد ولا سيما الواقع فيه ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الفائت ولهذا أمر الحق تعالى أن يسبح بحمده أي بما أثنى على نفسه وما وصف تعالى نفسه بشئ إلا في معرض الثناء عليه بذلك الوصف وهذا المنزه الجاهل ينزهه عن ذلك الوصف الذي وصف به الحق نفسه وأخذ يثني عليه بما يرى أنه ثناء على الله والله ما أمره أن ينزهه إلا بحمده أي بما أثنى على نفسه به في كتبه وعلى السنة رسله وإن من شئ إلا يسبح بحمده إلا هذا الإنسان فإن بعضه يسبحه بغير حمده ويكذب الحق في بعض ما أثنى به على نفسه وهو لا يشعر بذلك ولهذا قال تعالى ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما فلم يؤاخذكم على ما تركتم من الثناء عليه مما أثنى به على نفسه ولم يعجل عليكم العقوبة غفورا بما ستره عنكم من علم ذلك ممن هو بهذه المثابة فإذا أراد العبد نجاة نفسه وتحصيل أسباب سعادته فلا يحمد الله إلا بحمده كان ما كان على علم الله في ذلك من غير تعيين فإن قبضه الله تعالى على ذلك اطلع على الأمر على ما هو عليه إذا لم يكن من أهل الكشف في الحياة الدنيا وإن لم يفعل وتأول فهو لما تأوله وحرمه الله كل ما خرج عن تأويله فلم يره فيه وهذا أعظم الحرمان وعند الكشف الأخروي يرى ما كان عليه من سوء الأدب مع الله والجهل به كما ورد أن أهل هذا المقام إذا تجلى لهم الحق تعالى في الآخرة ينكرونه ولا يقرون به لأنهم ما عبدوا ربا إلا مقيدا بعلامة فإذا ظهر لهم بتلك العلامة أقروا له بالربوبية وهو عين ما أنكروه وأي جهل أعظم من أن يقر بما هو له منكر ويتضمن هذا المنزل علم الوافدين على الله وعلم أنواع الفتوح ومجئ المعاني بمجئ من قامت به فينسب المجئ إليها لا إليه وعلم الزمان (الوصل السادس) من خزائن الجود فيما يناسب ويتعلق به المنزل السادس من ستر الحق ولم يفشه * فذلك الشخص الذي قد كفر وليس مخفيا على ناظر * فيه بعين العقل أو بالبصر تبارك الله الذي لم يزل * يظهر فيما قد بدا من صور فإنه منشئها دائما * في كل ما يظهر أو قد ظهر اعلم أيدك الله أن عبادة الله بالغيب عين عبادته بالشهادة فإن الإنسان وكل عابد لا يصح أن يعبد معبوده إلا عن شهود إما بعقل أو ببصر أو بصيرة فالبصيرة يشهده العابد بها فيعبده وإلا فلا تصح له عبادة فما عبد إلا مشهودا لا غائبا فإن أعلمه بتجليه في الصور للبصر حتى يميزه عبده أيضا على الشهود البصري ولا يكون ذلك إلا بعد أن يراه بعين بصيرته فمن جمع بين
(٣٧٥)