وما قرن الله قط بالمآب إليه سوء تصريحا وغاية ما ورد في ذلك في معرض التهديد في الفهم الأول وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون فسيعلمون من كرم الله ما لم يكونوا يحتسبون قبل المؤاخذة لمن غفر له وبعد المؤاخذة لانقطاعها عنهم فرحمته واسعة ونعمته سابغة جامعة وأنفس العالم فيها طامعة لأنه كريم من غير تحديد ومطلق الجود من غير تقييد ولذلك حشر العالم يوم القيامة كالفراش المبثوث لأن الرحمة منبثة في المواطن كلها فأنبث العالم في طلبها لكون العالم على أحوال مختلفة وصور متنوعة الوجوه فتطلب بذلك الانبثاث من الله الرحمة التي تذهب منه تلك الصورة التي تؤديه إلى الشقاء فهذا سبب انبثاثهم في ذلك اليوم وكذلك الجبال الصلبة تكون كالعهن المنفوش لما خرجت عنه من القساوة إلى اللين الذي يعطي الرحمة بالعباد ولا يدري ما قلناه إلا أهل الشهود والمتحققون بحقائق الوجود وأما من بقي مع ثقليته فإن الثقلين ما سماهما الله بهذا الاسم إلا ليميزهما به عمن سواهما دائما حيث كانا فلا تزال أرواحهما تدبر أجساما طبيعية وأجسادا دنيا وبرزخا وآخرة وكذلك منازلهما التي يسكنونها من جنس نشأتهما فما لهما نعيم إلا بالمشاكل لطبعهما وأما القائلون بالتجريد فهم مصيبون فإن النفس الناطقة مجردة في الحقيقة عن هذه الأجسام والأجساد الطبيعية وما لها فيها إلا التدبير غير أنهم ما عرفوا إن هذا التدبير لهذه النفوس دائما أبدا فهم مصيبون من هذا الوجه إن قصدوه مخطئون إن قالوا بأنها تنفصل عن التدبير فالنفوس الناطقة عندنا متصلة بالتدبير منفصلة بالذات والحد والحقيقية الشخصية فلا متصلة ولا منفصلة والتدبير لها ذاتي كمثل الشمس فإن لها التدبير الذاتي فيما تنبسط عليه أنوار ذاتها غير إن الفرق بين الشمس والقمر والكواكب وأكثر الأسباب التي جعل الله فيها مصالح لعالم لذاتها لا علم لها بذلك والنفوس الناطقة وإن كان تدبيرها ذاتيا فهي عالمة بما تدبره فالنفوس الفاضلة منها التي لها الكشف تطلع على جزئيات ما هي مدبرة لها بذاتها وغير الفاضلة لا تعلم بجزئيات ذلك وقد تعلم ولا تعلم أنها تعلم وهكذا كل روح مدبرة فمن له التدبير للعالم هو الأعلم بجزئيات العالم وهو الله تعالى العالم بالجزء المعين والكل مع التدبير الذاتي الذي لا يمكن إلا هو فالنفوس السعيدة مراكبها النفوس الحيوانية في ألذ عيش وأرغده يوم القيامة أعطاها ذلك الموطن كما أنها في أشد ألم وأضيق حبس إذا شقيت وحبست في المكان الضيق كما قال تعالى وإذا ألقوا منها يعني من جهنم مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا هذه الأحوال للنفوس الحيوانية والنفوس الناطقة ملتذة بما تعلمه من اختلاف أحوال مراكبها لأنها في مزيد علم بذلك إلهي مناسب ألا ترى ذوقا هنا في شخصين لكل واحد منهما نفس ناطقة ونفس حيوانية فيطرأ على كل واحد من الشخصين سبب مؤلم فيتألم به الواحد ويتنعم به الآخر لكون الواحد وإن كان ذا نفس ناطقة فحيوانيته غالبة عليه فتبقى النفس الناطقة منه معطلة الآلة الفكرية النظرية والآخر لم تتعطل نفسه الناطقة عن نظرها وفكرها ومشاهدتها ومن أين قام بنفسها الحيوانية ذلك الأمر المؤلم حتى يوصلها ذلك إلى السبب الأول فتستغرق فيه فتتبعها في ذلك النفس الحيوانية فيزول عنها الألم مع وجود السبب وكلا الشخصين كما قلنا ذو نفس ناطقة وسبب مؤلم فارتفع الألم في حق أحد الشخصين ولم يرتفع في حق الآخر فإن الحيوان بنور النفس الناطقة يستضئ فإذا صرفت النفس الناطقة نظرها إلى جانب الحق تبعها نورها كما يتبع نور الشمس الشمس بغروبها وأفولها فتلتذ النفس الحيوانية بما يحصل لها من الشهود لما لم تره قبل ذلك فلا ألم ولا لذة إلا للنفوس الحيوانية إن كان كما ذكرناه فهي لذة علمية وإن كان عن ملائمة طبع ومزاج ونيل غرض فلذة حسية والنفس الناطقة علم مجرد لا يحتمل لذة ولا ألما ويطرأ على الإنسان الذي لا علم له بالأمر على ما هو عليه في نفسه تلبيس وغلط فيتخيل إن النفس الناطقة لها التذاذ بالعلوم حتى قالوا بذلك في الجناب الإلهي وإنه بكماله مبتهج فانظر بذلك يا أخي ما أبعد هؤلاء من العلم بحقائق الأمور وما أحسن قول الشارع من عرف نفسه عرف ربه فلم ينسب إليه إلا ما ينسبه لنفسه فتعالى الله عز وجل عن أن يحكم عليه حال أو محل بل لله الأمر من قبل ومن بعد عصمنا الله وإياكم من الآفات وبلغ بنا أرفع الدرجات وأبعد النهايات (الوصل الخامس عشر) من خزائن الجود وهو ما تخزنه الأجسام الطبيعية من الأنوار التي بها يضئ كونها وإن
(٣٩١)