مقام الغيرة على جناب الله تعالى وما يستحقه أخذ يقنت في صلاته شهرا يدعو على طائفة من عباد الله بالهلاك رعل وذكوان وعصية عصت الله ورسوله فأنزل الله عليه وحيه بواسطة الروح الأمين يا محمد إن الله يقول لك ما أرسلك سبابا ولا لعانا وإنما بعثك رحمة أي لترحم مثل هؤلاء كأنه يقول له بدل دعائك عليهم كنت تدعوني لهم ثم تلا عليه كلام ربه وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين أي لترحمهم فإنك إذا دعوتني لهم ربما وفقتهم لطاعتي فترى سرور عينك وقرتها في طاعتهم وإذا لعنتهم ودعوت عليهم وأجبت دعاك فيهم لم يتمكن أن آخذهم إلا بأن يزيدوا طغيانا وإثما مبينا وذلك كله إنما كان بدعائك عليهم فكانت أمرتهم بالزيادة في الطغيان الذي نؤاخذهم به فتنبه رسول الله ص لما أدبه به ربه فقال ص إن الله أدبني فحسن أدبي وقال بعد ذلك اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون وقام ليلة إلى الصباح لا يتلو فيها إلا قوله تعالى إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم وهو قول عيسى ع والله تعالى قد قال له لما ذكر رسله أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وكان من هدى عيسى ع هذه الآية التي قام بها رسول الله ص ليلة كله إلى الصباح أين هذا المقام من دعائه ص على رعل وذكوان الله يغفر الذنوب جميعا وما خص ذنبا من ذنب كما لم يخص إسرافا من إسراف كما لم يخص في إرسال محمد ص عالما من عالم إنه هو الغفور الرحيم بالألف واللام للشمول مع عمارة الدارين فلا بد من شمول الرحمة ولولا إن الأمور قد عين الله لها آجالا مسماة وأياما معدودات لكان عين الانتقال بالموت إلى الله عين الرحمة بهم التي تكون لهم بعد استيفاء الحدود لتعديهم الحدود فتعديهم الحدود هو الذي أقام عليهم في الدار الآخرة الحدود كما أقامها على بعضهم في الدار الدنيا فما مات أحد من خلق الله إلا كما ولد مؤمنا وما وقع الأخذ إلا بما كان بين الإيمانين فإن رحمة الله وسعت كل شئ وباطنه فيه الرحمة ولهذا قال من ظهر لي يطنت له لأنه ما ظهر أحد لله حتى فارقه إذ لو لم يفارقه لما ميز نفسه عنه فبطن الحق في ظهوره فهو السور الذي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب والناس لا يشعرون والكلام في هذا الباب لا يتناهى فصوله وهذا القدر من التنبيه على ما فيه كاف إن شاء الله لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (انتهى الجزء الثالث من كتاب الفتوحات المكية بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ويتلوه المجلد الرابع أوله الباب الحادي وأربعمائة)
(٥٦٨)