فما ثم إلا الصمت والحق ناطق * وما ثم إلا الله لا غير خالق فيشهدنا تكوينه في شهودنا * تدل عليه في الوجود الحقائق فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليقل * خلاف الذي قلناه والله صادق (وصل) التقييد صفة تضيفها العقول والكشف إلى الممكنات وتقصرها العقول عليها وتضيف الإطلاق إلى الحق وما علمت إن الإطلاق تقييد فإن التقييد إنما أصله وسببه التمييز حتى لا تختلط الحقائق فالإطلاق تقييد فإنه قد تميز عن المقيد وتقيد بالإطلاق ولا سيما وقد سمى نفسه حليما لا يعجل فإمهاله العبد المستحق للاخذ إلى زمان الأخذ حبس عن إرسال الأخذ في زمان الاستحقاق ولذلك سمى نفسه بالصبور فما ثم إطلاق لا يكون فيه تقييد لأن المقيد الذي هو الكون تميز عن إطلاقه بتقييده فقد قيده بالإطلاق وهو تجليه في كل صورة وقبوله كل حكم ممكن من حيث إنه عين الوجود فقد قيدته أحكام الممكنات فتقييده إطلاقه من وثاقنا * فما ثم إطلاق يكون بلا قيد فمن عرف الأشياء قال بقولنا * فعود على بدء وبدء على عود فحاذر وجود المكر إن كنت مؤمنا * فمن مكره مكري ومن كيده كيدي له قوة المكر التي لا تردها * قوى عبده الموصوف بالعلم والأيد (وصل) الشدة نعت إلهي وكياني قال موسى اشدد به أزري وتلي بحضرة أبي يزيد إن بطش ربك لشديد فقال بطشي أشد وذلك لخلو بطش العبد من الرحمة الكونية وبطش الله ليس كذلك فإن الرحمة الإلهية تصحبه وهو يعلمها وكذا هي في بطش العبد إلا إن العبد لا يشهدها ولا يجد لها أثرا في نفسه وإن كان يرحم نفسه بذلك البطش ولكن لا يعلم والله عليم بكل شئ فهو عليم بأن رحمته وسعت كل شئ فوسعت بطشه وبطش الكون ولكن ما كل باطش يعلم ذلك ولما كان للعبد بطش من حيث عينه وله بطش بربه وليس للرب في الحقيقة بطش بعبده فأضاف أبو يزيد بطش ربه إلى بطشه فقال بطشي أشد لأن فيه بطش ربي وما في بطش ربي بعباده بطشي فإذا وصف الحق نفسه بالشديد فهو ما يوجده من الأشياء بالأسباب الموضوعة في العالم فيعذب عباده بالنار فللنار حكم في العذاب مضاف إلى ما يوجده الله من الألم القائم بالمعذب وهو في الحجاب عن الله وليس للمعذب شهود إلا للأسباب فبطشه بالعبد بمشاهدة الأسباب من كونه شديد الأمن كونه معذبا فالشدة تطلب الغير ولا بد وهذا لا يقدر أحد على إنكاره فإن المشاهدة لأسباب الآلام أعظم في العذاب ممن يجد الألم ولا يشهد سببه ولا سيما إن كان يعلم أنه قادر على إزالة السبب ليس للشدة حكم مستقل * دون أن يبدو لعين الشخص ظل فإذا أبصره يبهره * ذلك الظل الذي عنه انفعل فهو لا يبرح من شدته * فإذا غيبه عنه انتقل (وصل) الخضوع عند تجلى الحق ومناجاته هو المحمود وما سوى هذا فهو مذموم ويلحق الذم بمن ظهر عليه إلا من يرى الحق في الأشياء كلها من الوجه الإلهي الذي لها ولكن على ميزان محقق لا يتعداه فإن الله قد وضع له ميزانا عندنا في الأرض قال تعالى والسماء رفعها ووضع الميزان فليصرفه بحسب وضع الحق فهو وإن شهده في كل شئ فما يريد تعالى أن يعامله بمعاملة واحدة في كل شئ بل يحمده في المواضع التي تطلب منه المحامد ويقبل عليه ويعرض عنه في المواضع التي يطلب منه الإعراض عنه فيها فلا يتعدى الميزان الذي يطلبه منه وهذا المشهد المكر فيه خفي ولا مزيل له إلا العلم بالميزان الإلهي المشروع فمن عرفه ووقف عنده وتأدب بآداب الله التي أدب بها رسله فقد فاز وحاز درجة العلم بالله قال تعالى معلما ومؤدبا لمن عظم صفة الله على غير ميزان عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى يعني ذلك الجبار وإن الله عند المنكسرة قلوبهم أصحاب العاهات غيبا وهو في الجبابرة المتكبرين ظاهر عينا ولظهور حكم أقوى وكان ص حريصا على الناس أن يؤمنوا بوحدانية الله وإزالة العمي الذي كانوا عليه فلما جاء الأعمى في الظاهر البصير في الباطن
(٢١٩)