فأتاه بثمرها فأكل آدم وزوجته حواء وصدقا إبليس وهو الكذوب في قوله هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى وكذلك كان أورثه ذلك الأكل منها الخلد في الجنة والملك الذي لا يبلى وما قال له متى وجعل ذلك من خاصية تلك الشجرة فيمن أكل منها فأورثه الاجتباء الإلهي فأهبطه الله للخلافة في الأرض تصديقا لما قاله للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة وأهبط حواء للنسل وأهبط إبليس للاغواء ليحور عليه جميع ما يغوي به بني آدم إذا عمت الناس رحمة الله فجعل الله كل مخالفة تكون من الإنسان من إلقاء العدو وإغوائه فقال الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء أي بإظهارها يعني بذلك وقوعها منكم لما علم إن الإنسان قد رفع عنه الحق ما حدث به نفسه وما هم به من السوء إلا أن يظهر ذلك على جوارحه بالعمل وهو الفحشاء فقال تعالى والله يعدكم مغفرة منه لما وقع منكم من الفحشاء التي أمركم بها الشيطان وفضلا لما وعدكم به من الفقر وهذه أعظم آية وأشدها مرت على سمع إبليس فإنه علم أنه لا ينفعه إغواؤه ولهذا لا يحرص إلا على الشرك خاصة لكونه سمع الحق يقول إن الله لا يغفر إن يشرك به وتخيل أن العقوبة على الشرك لا ينتهي أمدها والله ما قال ذلك فلا بد من عقوبة المشرك ومن سكناه في جهنم فإنه ليس بخارج من النار فهو مؤبد السكنى ولم يتعرض لانتهاء مدة العذاب فيها بالشقاء وليس الخوف إلا من ذلك لا من كونها دار إقامة لمن يعمرها فصدق الله بكون المشرك مأخوذا بشركه فهو بمنزلة إقامة الحد على من تعين عليه سواء كان ذلك في الدنيا أو في الآخرة فهي حدود إلهية يقيمها الحق على عبده إذا لم يغفر له أسبابها وجهل إبليس انتهاء مدة عقوبة المشرك من أجل شركه ولهذا طمع إبليس في الرحمة الإلهية التي وسعت كل شئ وطمعه فيها من عين المنة لإطلاقها لأنه علم في نفسه أنه موحد وإنما سماه الله كافرا في قوله تعالى وكان من الكافرين لأنه يستر عن العباد طرق سعادتهم التي جاء بها الشرع في حق كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك فقال فيه أبى واستكبر وكان من الكافرين ولم يقل من المشركين لأنه يخاف الله رب العالمين ويعلم أن الله واحد وقد علم حال مال الموحدين إلى أين يصير سواء كان توحيده عن إيمان أو عن نظر من غير إيمان كما قال عيسى ع لإبليس لما عجز إبليس أن يطيعه عيسى ع فقال له إبليس يا عيسى قل لا إله إلا الله حرص أن يطيعه فقال له عيسى ع أقولها لا لقولك لا إله إلا الله وقد علم إبليس أن جهنم لا تقبل خلود أهل التوحيد فيها وأن الله لا يترك فيها موحدا بأي طريق كان توحيده فعلى هذا القدر اعتمد إبليس في حق نفسه فعلم من وجه وجهل من وجه إذ لا يعلم الشئ من جميع وجوهه إلا الله عز وجل الذي أحاط بكل شئ علما سواء كان الشئ ثابتا أو موجودا أو متناهيا أو غير متناه قال لي الحق في ضميري * ما أجهل الخلق بالأمور ما عرف الأمر غير شخص * منبئ عالم خبير مهيأ للهدى معد * ندب بأمر الورى بصير قد علم الحق علم ذوق * ليس بحدس ولا شعور ولا تناء ولا تدان * ولا خفاء ولا ظهور (الوصل التاسع من خزائن الجود) قال تعالى والتفت الساق بالساق فهو التفاف لا ينحل فإنه تعالى تمم فقال إلى ربك يومئذ المساق فأتى بالاسم الذي يعطي الثبات والأمر ملتف بالأمر وإلى الرب المساق فلا بد من ثبات هذا الالتفاف في الدار الآخرة فعين أمر الدنيا عين أمر الآخرة غير إن موطن الآخرة لا يشبه موطن الدنيا لما في الآخرة من التخليص القائم بوجود الدارين فوقع التمييز بالدار والكل آخرة فالتف أمر الدنيا بأمر الآخرة لا عين الدنيا بأمر الآخرة ولا عين الدنيا بعين الآخرة ولكل دار أهل وجماعة والأمر ما هو عليه ذلك الجميع وإن اختلفت الأحوال فلا تزال الناس في الآخرة ينتقلون بالأحوال كما كانوا في الدنيا ينتقلون بالأحوال والأعيان ثابتة فإن الرب يحفظها فالانتقال هو الجامع وفيما ذا ينتقلون فذلك علم آخر يعلم من وجه آخر فمن كون الآخرة دار جزاء كما كانت الدنيا دار جزاء في الخير والشر ظهر في الآخرة ما ظهر من سعادة وشقاء فالشقاء للغضب الإلهي والسعادة
(٣٨٢)