الأنبياء ع في ذلك اليوم ما قد ورد على ألسنة الرسل ودون الناس فيه ما دونوا فمن أراد تفاصيل الأمور فلينظرها هنالك ثم تقع الشفاعة الأولى من محمد ص في كل شافع أن يشفع فيشفع الشافعون ويقبل الله من شفاعتهم ما شاء ويرد من شفاعتهم ما شاء لأن الرحمة في ذلك اليوم يبسطها الله في قلوب الشفعاء فمن رد الله شفاعته من الشافعين لم يردها انتقاصا بهم ولا عدم رحمة بالمشفوع فيه وإنما أراد بذلك إظهار المنة الإلهية على بعض عباده فيتولى الله سعادتهم ورفع الشقاوة عنهم فمنهم من يرفع ذلك عنه بإخراجهم من النار إلى الجنان وقد ورد وشفاعته بشفاعة أرحم الراحمين عند المنتقم الجبار فهي مراتب أسماء إلهية لا شفاعة محققة فإن الله يقول في ذلك اليوم شفت الملائكة والنبيون والمؤمنون وبقي أرحم الراحمين فدل بالمفهوم أنه لم يشفع فيتولى بنفسه إخراج من يشاء من النار إلى الجنة ونقل حال من هو من أهل النار من شقاء الآلام إلى سعادة إزالتها فذلك قدر نعيمه وقد يشاء ويملأ الله جهنم بغضبه المشوب وقضائه والجنة برضاه فتعم الرحمة وتنبسط النعمة فيكون الخلق كما هم في الدنيا على صورة الحق فيتحولون لتحوله وآخر صورة يتحول إليها في الحكم في عباده صورة الرضاء فيتحول الحق في صورة النعيم فإن الرحيم والمعافي أول من يرحم ويعفو وينعم على نفسه بإزالة ما كان فيه من الحرج والغضب على من أغضبه ثم سرى ذلك في المغضوب عليه فمن فهم فقد أمناه ومن لم يفهم فسيعلم ويفهم فإن المال إليه والله من حيث يعلم نفسه ومن هويته وغناه فهو على ما هو عليه وإنما هذا الذي وردت به الأخبار وأعطاه الكشف إنما ذلك أحوال تظهر ومقامات تشخص ومعان تجسد ليعلم الحق عباده معنى الاسم الإلهي الظاهر وهو ما بدا من هذا كله والاسم الإلهي الباطن وهو هويته وقد تسمى لنا بهما فكل ما هو العالم فيه من تصريف وانقلاب وتحول في صور في حق وخلق فذلك من حكم الاسم الظاهر وهو منتهى علم العالم والعلماء بالله وأما الاسم الباطن فهو إليه لا إلينا وما بأيدينا منه سوى ليس كمثله شئ على بعض وجوه محتملاته إلا أن أوصاف التنزيه لها تعلق بالاسم الباطن وإن كان فيه تحديد ولكن ليس في الإمكان أكثر من هذا فإنه غاية الفهم عندنا الذي يعطيه استعدادنا وأما قوله تعالى وإن منكم إلا واردها فإن الطريق إلى الجنة عليها فلا بد من الورود فإذا لم يبق في أرض الحشر من أهل الجنة أحد عاد كله نارا أي دار النار وإن كان فيها زمهرير فجهنم من مقعر فلك الكواكب إلى أسفل سافلين (الفصل السادس) في جهنم وأبوابها ومنازلها ودركاتها اعلم أن جهنم تحوي على السماوات والأرض على ما كانت عليه السماء والأرض إذ كانتا رتقا فرجعت إلى صفتها من الرتق والكواكب كلها فيها طالعة وغاربة على أهل النار بالحرور والزمهرير بالحرور على المقرورين بعد استيفاء المؤاخذة بما أجرموا وبالزمهرير على المحرورين ليجدوا في ذلك نعيما ولذة ما لهم من النعيم إلا ذلك وهو دائم عليهم أبدا وكذلك طعامهم وشرابهم بعد انقضاء مدة المؤاخذة يتناولون من شجرة الزقوم لكل إنسان بحسب ما يبرد عنه ما كان يجده أو يسخنه كالظمآن بحرارة العطش فيجد ماء باردا فيجد له من اللذة لا ذهابه لحرارة العطش وكذلك ضده وأبوابها سبعة بحسب أعضاء التكليف الظاهرة لأن باب القلب مطبوع عليه لا يفتح من حين طبع الله عليه عند ما أقر له بالربوبية وعلى نفسه بالعبودية فللنار على الأفئدة اطلاع لا دخول لغلق ذلك الباب فهو كالجنة حفت بالمكاره فما ذكر الله من أبواب النار إلا السبعة التي يدخل منها الناس والجان وأما الباب المغلق الذي لا يدخل عليه أحد هو في السور فباطنه فيه الرحمة بإقراره بوجود الله ربا له وعبودته لربه وظاهره من قبله العذاب وهي النار التي تطلع على الأفئدة وأما منازلها ودركاتها وخوخاتها فعلى ما ذكرناه في الجنة على السواء لا تزيد ولا تنقص وليس في النار نار ميراث ولا نار اختصاص وإنما ثم نار أعمال فمنهم من عمرها بنفسه وعمله الذي هو قرينه ومن كان من أهل الجنة بقي عمله الذي كان في الدنيا على صورته في المكان من النار الذي لو كان من أهلها صاحب ذلك العمل لكان فيه فإنه من ذلك المكان كان وجود ذلك العمل وهو خلاف ما كلف من فعل وترك فعاد إلى وطنه كما عاد الجسم عند الموت إلى الأرض التي خلق منها وكل شئ إلى أصله يعود وإن طالت المدة فإنها أنفاس معدودة وآجال مضروبة محدودة يبلغ الكتاب فيها أجله ويرى كل
(٤٤٠)