(الباب الثاني والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل سر وسرين وثنائك عليك بما ليس لك وإجابة الحق إياك في ذلك لمعنى شرفك به من حضرة محمدية) من حاز شطر الكون في خلقه * وشطره الآخر في خلقه فذاك عين الوقت في وقته * وبدره الطالع في أفقه فبدره يطلع من غربه * وضوؤه يغرب في شرقه فكل مخلوق به هائم * وكلنا نهلك في حقه ورد في الخبر الصحيح في صحيح مسلم عن رسول الله ص أنه قال إن الله جميل يحب الجمال وهو تعالى صانع العالم وأوجده على صورته فالعالم كله في غاية الجمال ما فيه شئ من القبح بل قد جمع الله له الحسن كله والجمال فليس في الإمكان أجمل ولا أبدع ولا أحسن من العالم ولو أوجد ما أوجد إلى ما لا يتناهى فهو مثل لما أوجد لأن الحسن الإلهي والجمال قد حازه وظهر به فإنه كما قال تعالى أعطى كل شئ خلقه فهو جماله إذ لو نقص منه شئ لنزل عن درجة كمال خلقه فكان قبيحا ثم هدى أي بين ذلك لنا بقوله أعطى كل شئ خلقه ولما رأينا الحق في صورة البشر * علمنا بأن العقل فيه على خطر فمن قيد الحق المبين بعقله * ولم يطلق التقييد ما عنده خبر إذا ما تجلى لي على مثل صورتي * تجليت في التنزيه عن سائر الصور فإن قال ماذا قلت أنت ذكرت لي * بأنك تعفو عن ظلوم إذا انتصر وما أنت مثلي قل فلم خرت صورتي * ورؤيتي إياكم كما يبصر القمر فإن كنت مثلي فالتماثل حاكم * على كل مثل كالذي يقتضي النظر فكل شبيه للشبيه مشاكل * على كل حال في القديم وفي البشر لقد شرع الله السجود لسهونا * بإرغام شيطان وجبر لما انكسر فما لك لم تسجد وأنت إمامنا * فأنت جدير بالسجود كما ذكر أتيناك نسعى فانثنيت مهرولا * وأين خطي الاقدام من خطوة البصر ومنها أيضا فمن فصلنا أو بمن قد وصلتنا * وما هو إلا الله بالعين والأثر فشكرا لما أخفى وشكرا لما بدا * وحاز مزيد الخير عبد إذا شكر وما هو إلا الحق يشكر نفسه * ولكن حجاب القرب أرسل فاستتر فالعالم كله جماله ذاتي وحسنه عين نفسه إذ صنعه صانعه عليه ولهذا هام فيه العارفون وتحقق بمحبته المتحققون ولهذا قلنا فيه في بعض عباراتنا عنه إنه مرآة الحق فما رأى العارفون فيه إلا صورة الحق وهو سبحانه الجميل والجمال محبوب لذاته والهيبة له في قلوب الناظرين إليه ذاتية فأورث المحبة والهيبة فإن الله ما كثر لنا الآيات في العالم وفي أنفسنا إذ نحن من العالم إلا لنصرف نظرنا إليه ذكرا وفكرا وعقلا وإيمانا وعلما وسمعا وبصرا ونهيا ولبا وما خلقنا إلا لنعبده ونعرفه وما أحالنا في ذلك على شئ إلا على النظر في العالم لجعله عين الآيات والدلالات على العلم به مشاهدة وعقلا فإن نظرنا فإليه وإن سمعنا فمنه وإن عقلنا فعنه وإن فكرنا ففيه وإن علمنا فإياه وإن آمنا فبه فهو المتجلي في كل وجه والمطلوب من كل آية والمنظور إليه بكل عين والمعبود في كل معبود والمقصود في الغيب والشهود لا يفقده أحد من خلقه بفطرته وجبلته فجميع العالم له مصل وإليه ساجد وبحمده مسبح فالألسنة به ناطقة والقلوب به هائمة عاشقة والألباب فيه حائرة يروم العارفون أن يفصلوه من العالم فلا يقدرون ويرومون أن يجعلوه عين العالم فلا يتحقق لهم ذلك فهم يعجزون فتكل أفهامهم وتتحير عقولهم وتتناقض عنه في التعبير ألسنتهم فيقولون في وقت هو وفي وقت ما هو وفي وقت هو ما هو فلا تستقر لهم فيه قدم ولا يتضح لهم إليه طريق أمم لأنهم يشهدونه عين الآية والطريق فتحول هذه المشاهدة
(٤٤٩)