ومنها علم تقدير التخالج في الحديث وما يرفع من ذلك وما لا يرفع ومنها علم عرض الفتن على القلوب وحكم من أنس بها من غيره ومنها علم السبب المبقي للشاك على شكه مع التمكن من النظر المخرج عن الشك فلم يفعل ومنها علم الفرق بين الايمان والعلم وما بين العالم والمؤمن من المراتب ومنها علم تتبع الحق مراضي عباده الذين تتبعوا مراضيه جزاء وفاقا ومنها علم تأخير البيان مع التمكن من استعجال إيضاحه لأمر يراه العالم مع الحاجة إليه ومنها علم صفة من يطلبه العفو الإلهي ومنها علم ما ينبغي أن يكشف من العلوم وما ينبغي أن يستر منها ومنها علم تداخل عالم الغيب في الشهادة وعالم الشهادة في الغيب ومنها علم الاستدراج والمكر ومنها علم كل علم غايته العمل فلم تظهر غايته ما العلة في ذلك ومنها علم كون السماء كالخيمة لا كالكرة المجوفة وأن هيأة السماوات على خلاف ما ذكره أصحاب علم الهيئة ولما ذا يرجع سير الكواكب هل لأنفسها أو لفلك دائر بها وفيه علم ما لا ينبغي فيه تنازع لوجود الإمكان العقلي فيه ومنها علم ما يؤثر العلم به في نفس العالم به ومنها علم استحالة خلق العالم أعيان الجواهر ومنها علم المصطفى المختار من كل نوع من العالم ومن كل جنس ومنها علم الآباء والأبناء في المعاني وغير المعاني ومنها علم التعلق بالأسباب وترك التعلق بها والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى السفر الرابع والعشرون (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الثالث والستون وثلاثمائة في معرفة منزل إحالة العارف ما لم يعرفه على من هو دونه ليعلمه ما ليس في وسعه أن يعلمه وتنزيهه الباري عن الطرب والفرح) وضع الموازين للحساب * جاء به ناطق الكتاب كتاب ذات بلا يراع * ولا مداد ولا اكتساب ولا صفات ولا نعوت * ولا ذهاب ولا إياب فإن يتب للذي اعتراه * قابلة قابل المتاب طالبه الشكر في قدور * وفي جفان مثل الجوابي هذا منزل التوحيد العقلي أعني توحيد الأفعال أي لا فاعل إلا الله وهو منزل شريف فاعلم إن العالم لم يزل في حال عدمه مشاهد الواجب الوجود لأنه لم يزل في عدم مرجح وهو ثابت العين وقد وصفه الحق في حال عدمه بالسمع والطاعة له فلم يستحل عليه إضافة المشاهدة ولهذا لم ينكره أحد من الممكنات في حال وجوده إلا أن هذا الموجود الإنساني وحده من بين العالم أشرك بعضه به ممن غلب عليه حجاب الطبع وهو ما اعتاد أن يسمع ويطيع ويعبد بالأصالة إلا لرب يشهده وقد صير ذلك المعبود حجاب الطبع غيبا له فاتخذ ما اتخذ من الموجودات التي يشهدها ويراها إما من العالم السماوي كالكواكب وإما من العالم الأسفل كالعناصر أو ما تولد عنها ربا يعبده على المشاهدة التي اعتادها وسكنت نفسه بها إليه وتوهم في نظره أن ذلك المتخذ إلها يشهد الحق وأنه أقرب إليه منه فعبد نفسه له خدمة ليقربه إلى الله عز وجل كما أخبر الله عنهم أنهم قالوا ما نعبدهم يعني الآلهة الذين اتخذوها للعبادة إلا ليقربونا إلى الله زلفى فأكدوه بزلفى وكان هذا عن نظر واجتهاد ثم رأوا أصحاب الشرائع المنزلة الإلهية قد قيدوا الناس بالسجود ووضع الوجوه على الأرض والركوع والاستقبال على طريق القربة إلى الله في جهة معينة وتقبيل حجر قالوا لنا إنه يمين الله وجاءوا بتعظيم شعائر وأعلام محدثات أضافوها إلى الله وجعلوا تعظيمنا إياها أي لتلك الشعائر والمناسك من تقوى القلوب وقرنوا بذلك التعظيم إذا ظهر منا سعادتنا فزادهم ذلك اعتمادا على ما قرروه ونصبوه من الآلهة والشرائع ولم يفرقوا بين ما هو وضع لله في خلقه وبين ما وضعوه لأنفسهم من أنفسهم وكلامنا إنما هو مع الأئمة أصحاب النظر الأول الذين وضعوا هذه الأمور معبودة لهم على طريق القربة إلى الله عز وجل ثم إنهم مما اغتروا به ما رأوه وسمعوه في الشرائع الإلهية من سعادة المجتهد على الإطلاق سواء أخطأ أو أصاب فالأجر له محقق بعد استيفاء النظر في حقه والاجتهاد في زعمه على قدر ما أعطاه الله
(٣٠٨)