سأل أمرا فيه شقاؤه فأجابه المسؤول مع علمه بذلك ولم ينبهه على ما عليه من الشقاء في ذلك وفيه علم إن المأمور يمتثل أمر سيده ثم يعاقبه السيد على امتثال أمره ما حكم هذا الفعل من السيد وفيه علم الفرق بين من أخذ بالحجة وبين من أخذ بالقهر وفيه علم الخمسة عشر وفيه علم التساوي بين الضدين فيما اجتمعا فيه وفيه علم المبادرة لكرامة الضيف النازل عليك وإن لم تعرفه بما ذا تقابله وأنت لا تعرف منزلته فتكرمه بقدر ما تعرف من منزلته وتعامله بذلك فإن الكرامة على قسمين القسم الواحد يعم المعروف وغير المعروف والقسم الآخر ما يفضل بها المعروفون وفيه علم التعريف بما يقع به الأمان للخائف والأنس للمستوحش وفيه علم النصائح وفيه علم التذكير والمواعظ وفيه علم من ينبغي أن يصحب ممن لا ينبغي أن يصحب ومن ينبغي أن يتبع ممن لا ينبغي أن يتبع ومن ينبغي أن يعرف من غير صحبة ولا اتباع ومن يصحب ويتبع ولا يعرف وفيه علم ما لا بد من العلم به وهو العلم بطريق نجاتك (وصل) هذا المنزل بينه وبين الباب السبعين ومائتين وصلة بنسبة خاصة فألحقنا منه في هذا المنزل هذا القدر الذي أذكره إن شاء الله وذلك أن الله تعالى لما خلق الأرواح النورية والنارية أعني الملائكة والجان شرك بينهما في أمر وهو الاستتار عن أعين الناس مع حضورهم معهم في مجالسهم وحيث كانوا وقد جعل الله عز وجل بينهما وبين أعين الناس حجابا مستورا فالحجاب مستور عنا وهم مستورون بالحجاب عنا فلا نراهم إلا إذا شاءوا أن يظهروا لنا ولهذا سمى الله الطائفتين من الأرواح جنا أي مستورين عنا فلا نراهم فقال في حق الملائكة في الذين قالوا إن الملائكة بنات الله وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا يعني بالجنة هنا الملائكة لقولهم ما ذكرناه آنفا وكانوا يكرهون نسبة البنات إليهم فأخبرنا الله بذلك في قوله ويجعلون لله ما يكرهون فإنهم كانوا يكرهون البنات وبهذا أخبرنا الله عنهم في قوله تعالى وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب وهو قوله تعالى وإذا الموؤودة سألت بأي ذنب قتلت وأنكر الله عليهم نسبة الأنوثة إلى الملائكة في قوله أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون فلما شرك الله تعالى بين الملائكة وبين الشياطين في الاستتار سمي الكل جنة فقال في الشياطين من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس يعني بالجنة هنا الشياطين وقال في الملائكة وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا يعني الملائكة ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون والملائكة رسل من الله إلى الإنسان موكلون به حافظون كاتبون أفعالنا والشياطين مسلطون على الإنسان بأمر الله فهم مرسلون إلينا من الله وقال عن إبليس إنه كان من الجن يعني الملائكة ففسق أي خرج أي عن أمر ربه أي من الذين يستترون عن الإنس مع حضورهم معهم فلا يرونهم كالملائكة فلما شرك بينهم في الرسالة أدخله أعني إبليس في الأمر بالسجود مع الملائكة فقال وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس فأدخله معهم في الأمر بالسجود فصح الاستثناء وجعله منصوبا بالاستثناء المنقطع فقطعه عن الملائكة كما قطعه عنهم في خلقه من نار فكأنه يقول إلا من أبعده الله من المأمورين بالسجود ولا ينطلق على الأرواح اسم جن إلا لاستتارهم عنا مع حضورهم معنا فلا نراهم فحينئذ ينطلق عليهم هذا النعت فالجنة من الملائكة هم الذين يلازمون الإنسان ويتعاقبون فينا بالليل والنهار ولا نراهم عادة وإذا أراد الله عز وجل أن يراهم من يراهم من الإنس من غير إرادة منهم لذلك رفع الله الحجاب عن عين الذي يريد الله أن يدركهم فيدركهم وقد يأمر الله الملك والجن بالظهور لنا فيتجسدون لنا فنراهم أو يكشف الله الغطاء عنا فنراهم رأى العين فقد نراهم أجسادا على صور وقد نراهم لا على صور بشرية بل نراهم على صورهم في أنفسهم كما يدرك كل واحد منهم نفسه وصورته التي هو عليها وأن الملائكة أصل أجسامها نور والجن نار مارج والإنسان مما قيل لنا ولكن كما استحال الإنس عن أصل ما خلق منه كذلك استحال الملك والجن عن أصل ما خلقا منه إلى ما هما عليه من الصور فقد بان لك ما اشترك فيه الجان والملك وما تميز به بعضهما عن بعض فيعتبر الله في التعبير لنا عن كل واحد منهما إما بالصفة المشتركة بينهما أو بما ينفرد كل جنس منهما به كيف شاء لمن نظر نظرا صحيحا في ذلك وخلق الله الجان شقيا وسعيدا وكذلك الإنس وخلق الله الملك سعيدا لا حظ له في الشقاء فسمى شقي الإنس والجان كافرا وسمي السعيد
(٣٦٧)