عبادة لمخلوق عن أمر الله أو عن غير أمر الله فقد شقي ومن سجد غير عابد لمخلوق فإن كان عن أمر الله كان طاعة فسعد وإن سجد لمخلوق غير عابد إياه عن غير أمر الله كانت رهبانية ابتدعها فما رعاها حق رعايتها إلا ابتغاء رضوان الله لأنه ما قصدها إلا قربة إلى الله فما خلت هذه الحالة عن الله والله عند ظن عبده به لا يخيبه فليظن به خيرا فلا بد من أخذ المشركين لتعديهم بالاسم غير محله وموضوعة ولم يرد عليه أمر بذلك من الله ومن المحال أن ترد عبادة وإن ورد سجود ولولا وضع اسم الألوهية على الشريك ما عبدوه فإن نفوس الأناسي بالأصالة تأنف من عبادة المخلوقين ولا سيما من أمثالها فأصحبوا عليها الاسم الإلهي حتى لا يتعبدهم غير الله لا يتعبدهم مخلوق فما جعل المشرك يشرك بالله في وضع هذا الاسم على المخلوق إلا التنزيه لله الكبير المتعالي لأن المشرك لا بد له في عبادته من حركات ظاهرة تطلب التقييد ولا بد من تصور خيالي لأنه ذو خيال ولا بد من علم عن دليل عقلي يقضي بتنزيه الحق عن التقييد ونفي المماثلة فلذلك نقلوا الاسم للشريك والنبي ص يقول لجبريل ع في معرض التعليم لعباد الله اعبد الله كأنك تراه فأمره بتصوره في الخيال مرئيا فما حجر الله على العباد تنزيهه ولا تخيله وإنما حجر عليه إن يكون محسوسا له مع علمه بأن الخيال من حقيقته أن يجسد ويصور ما ليس بجسد ولا صورة فإن الخيال لا يدركه إلا كذلك فهو حس باطن بين المعقول والمحسوس مقيد أعني الخيال وما قرر الحق هذا كله إلا للرحمة التي وسعت كل شئ حتى إذا رحم من وقع الأخذ به عرف الخلق أن هذه الرحمة الإلهية قد تقدم الإعلام بها من الحق في الدار الدنيا دار التكليف فلا ينكرها العالمون فما أخرج الله العالم من العدم الذي هو الشر إلا للخير الذي أراده به ليس إلا الوجود فهو إلى السعادة موجود بالأصالة وإليها ينتهي أمره بالحكم فإن الدار التي أشرك فيها دار مزج فهي دار شبهة وهي الدنيا فلها وجه إلى الحق بما هي موجودة ولها وجه لغير الحق بما ينعدم ما فيها وينتقل عنها إلى الأخرى والشبهة نسبة الحل إليها والحرمة على السواء وما جعلها الله على هذه الصفة إلا لإقامة عذر العباد إذا أراد أن يرحمهم رحمة العموم فما ألطف الله بخلقه فإن الصانع له اعتناء بصنعته فالمؤمن العالم ما جحد إن المشرك عبد الله فإنه سمعه يقول ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى والمشرك ما جحد الله تعالى بل أقر به وأقر له بالعظمة والكبرياء على من اتخذه قربة إليه فإذا علمت من أين أخذ من أخذ وأن الأخذ الأخروي كالحدود في الدنيا لا تؤثر في الايمان بوجود الله ولا في أحدية العظمة له التي تفوق كل عظمة عند الجميع فإنه من رحمة الله إن جعل الله من يعظم شعائر الله وحرمات الله والشعائر الإعلام والمناسك قربة إلى الله وإن ذلك من تقوى القلوب فهذا أيضا من المشاركة في العظمة وهي مشروعة لنا فما عظم المشرك الشريك إلا لعظمة الله لما رأى أن العظمة في المخلوقات سارية يجدها كل إنسان في جبلته ومع ذلك فأفرد المشرك عظم عظمة الله في قلبه إلى الله فما وقعت المؤاخذة إلا لكون ما وقع من ذلك عن غير أمر الله في حق أشخاص معينين ونقل الاسم إلى أولئك الأشخاص (وصل) وأما الأصول فمحفوظة بالفطرة التي فطر الله الخلق عليها ألا ترى إلى ما قال بعضهم وما يهلكنا إلا الدهر فقال الله تعالى في الوحي الصريح الصحيح لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر تراه قال هذا وجاء به سدى لا والله بل جاء به رحمة لعباده فإن الدهر عند القائلين به ما هو محسوس عندهم وإنما هو أمر متوهم صورته في العالم وجود الليل والنهار عن حركة كوكب الشمس في فلكها المحرك بحركة الفلك الأعظم فلك البروج الذي له اليوم بحركته كما الليل والنهار بظهور كوكب الشمس فيه فقد كان اليوم ولا ليل ولا نهار مع وجود الدرجات والدقائق وأقل من ذلك فلم يصح مع هذا شرك عام ولا تعطيل عام وإنما هي أسماء سموها أطلقوها على أعيان محسوسة وموهومة عن غير أمر الله فأخذوا بعدم التوقيف فقد وجدنا الأمر عين ما وجد منهم عن غير أمر فتحقق هذا الوصل فإنه دقيق جدا انتهى السفر الخامس والعشرون بانتهاء الوصل السادس من الباب التاسع والستين وثلاثمائة بسم الله الرحمن الرحيم (الوصل السابع) من مفاتح خزائن الجود من الباب التاسع والستين وثلاثمائة هذه الخزانة فيها وجوب تأخر العبد
(٣٧٧)