والمؤمنون قد علموا اتساعها ثم يرونها مع الشمول والاتساع ما لها صورة في بعض المواطن ومع كونها ما لها صورة ظاهرة في بعض المواطن فإن الحكم لها في ذلك الموطن الذي ما لها فيه صورة ولا يكون لها حكم إلا بوجودها ولكن هو خفي لبطونها جلي لظهور حكمها وأكثر ما يظهر ذلك في صنعة الطب وإقامة الحدود فالله يقول في إقامة الحدود في حد الزاني والزانية ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله فهذا عين انتزاع الرحمة بهم وإقامة الحدود من حكم الرحمة وما لها عين ظاهرة وكالطب إذا قطع الطبيب رجل صاحب الأكلة فإن رحمه في هذا الموطن ولم بقطع رجله هلك فحكم الرحمة حكم بقطع رجله ولا عين لها فللرحمة موطن تظهر فيه بصورتها ولها موطن تظهر فيه بحكمها فيتخيل أنها قد انتزعت من ذلك المحل وليس كذلك وفي الأحكام الشرعية في هذه المسألة خفاء إلا لمن نور الله بصيرته فإن القاتل ظلما قد نزع الله الرحمة من قلبه في حق المقتول وهو تحت حكم الرحمة في قتله ظلما وبقي حكمها في القاتل فأما إن يقاد منه وإما أن يموت فيكون في المشيئة وإن كان القائل كافرا فأما إن يسلم فتظهر فيه الرحمة بصورتها وحيثما كانت الرحمة بالصورة كانت بالحكم وقد تكون بالحكم ولا تكون بالصورة وفيه علم غريب وهو علم تقييد الحق بانتزاح الكون عنه مع كونه في قبضته وتحت سلطانه وملكه وفيه علم السياسة في الدعوة إلى الله فإن صورتها من الداعي تختلف باختلاف صورة المدعو فثم دعاء بصفة غلظة وقهر وثم دعاء بصفة لين وعطف وفيه علم عموم العهد الإلهي الذي أخذه على بني آدم وفيه علم الجولان في الملكوت حسا وخيالا وعقلا بثلث النشأة الإلهية فإن النشأة الإنسانية لما أنشئت ممتزجة من الأخلاط أشبهت السنة في فصولها وليس كمال الزمان إلا بفصول السنة ثم يعود الدور فالإنسان من حيث أخلاطه سنة فهو عين الدهر الذي هو الزمان فله جولان في الملكوت بأحد ثلاثة أمور أو بكلها أو ببعضها فأما أن يجول بحسه وهو الكشف وإما أن يجول بعقله وهو حال فكره وتفكره وإما أن يجول بخياله والسنة اثنا عشر شهرا فلكل حقيقة من هذه النشأة المشبهة بالسنة ثلث السنة فلها التثليث في التربيع ولها التربيع في التثليث فأما تثليثها في التربيع فهو ما ذكرناه من تقسيمها على ثلاثة من حس وخيال وعقل في تربيع أخلاطها وأما تربيعها في التثليث فإن حكم الأخلاط بكمالها في كل قسم من الأقسام الثلاثة وهي أربعة فلتربيعها حكم في الحس وحكم في الخيال وحكم في العقل ولا يشعر بذلك إلا أهل الحضور الناظرون الآيات في أنفسهم وفيه علم جهل الإنسان عند مسابقته لله وحجتنا قوله تعالى بادرني عبدي نفسه فيمن قتل نفسه والقول بهذا السياق هو قول أهل النظر في التشبه بالإله جهد الطاقة وأن ذلك إذا وجد هو الكمال وهذا عندنا هو عين الجهل أن يسابق الحق فيما هو له بما هو لي فإنه من المحال أن تسابقه بما هو له فإن الشئ لا يسابق نفسه ومن المحال أن تسابقه بما هو لي فإنه ما ثم غاية يسابق إليها فيكون عمل في غير معمل وطمع في غير مطمع ومن كان في هذه الحال فلا خفاء بجهله لو عقل نفسه وفيه علم الإعلام الإلهي في المادة الإلهية بما ذا يكون وما ذا يقع في إسماع السامعين من ذلك الإعلام هل يقع في كل سمع على حد واحد أو يختلف تعلق السمع عند ذلك الإعلام وفيه علم المعاملة مع الخلق على اختلاف أصنافهم بما يسرهم منك لا بما يسوءهم وهو علم عزيز صعب التناول ودقيق الوزن مجهول الميزان يحتاج صاحبه إلى كشف وحينئذ يحصل له وفيه علم ما حكم أصحاب الآجال إذا انتهت آجالهم هل يؤخرون بعد ذلك الانتهاء إلى أجل مسمى أو لا يكون لهم أجل أيضا ينتهون إليه وفيه علم ما يمكن أن يصح من الشروط وما لا يمكن أن يصح منها وفيه علم إعطاء الأمان ولمن ينبغي أن يعطي فلا بد من علم الأحوال لهذا المتحكم وفيه علم تنوع الناس في أخلاقهم وما هو المحمود من ذلك وما هو المذموم منها وفيه علم علم الملائكة بالله الذي لا يعلمه أحد من البشر حتى يتجرد عن بشريته ويتجرد عن حكم ما فيه للطبيعة من حيث نشأته حتى يبقى بما فيه إلا الروح المنفوخ فحينئذ يتخلص إلى العلم بالله من حيث تعلمه الملائكة فيقوم في عبادته ربه مقام الملائكة في عبادتهم لله وهي العلامة فيمن ادعى أنه يعلم الله بصورة ما تعلمه الملائكة فمن ادعى ذلك من غير هذه العلامة فدعواه زور وبهتان فإن للملائكة علما بالله تعالى يعم الصنف وعلما خالصا لكل ملك بالله لا يكون لغيره فنحن ما نطالبه في دعواه إلا بالعلم العام وهذه العلامة معلومة عندنا ذوقا لا نذكرها لأحد لئلا يظهر بها في وقت وهو
(٤٧٣)