إلا مما ذكرناه من التجلي لقلبه ولا يشعر أن ذلك عن تجل وبهذا القدر زاد أهل الكشف على غيرهم من المؤمنين ولولا كشفهم للأمور ما فصلوها إلى كذا وإلى كذا فحظ الرسول أن يلحقه بربه في نفسه وفيما جاء به من عنده وأما حظ اليتامى من هذا العلم فإنه على الحقيقة أوان بلوع الخروج عن الدعوى فيما كان لك فحظك قبل مجئ هذا الزمان إن تضاف أفعالك لك ولا يعترض عليك ولا تسلب عنك ولا تحجير عليك فإذا بلغ أوان الحلم صرت محجورا عليك ووقع التقييد في جميع حركاتك وتوجهت عليها أحكام الحق لأنها أفعاله ظهرت فيك ولولا ما ظهرت فيك ما تعلق بها هذا الخطاب ولا هذا التحكيم ومعنى طهرت فيك هو عين دعواك أن الأفعال لك فأراد الحق بالتحجير بما كلفك إن يعرفك بأن هذه الأفعال لو كانت لك ملكا محققا ما جاز لي أن أتصرف فيما لك وليس لي وسبب ذلك أن أوان بلوع العقل قد حل واستحكام العقل والنظر قد حصل فكان ينبغي لك بما أعطاك الله من العقل أن ترى أفعالك التي أنت محل لظهورها منك لله تعالى ليست لك فلو حصل لك هذا ابتداء ما كلفك ولا حجرها عليك في هذه الدار ألا ترى من لم يستحكم عقله ما حجر عليه ولا كلفه وهو المجنون الذي ستر عنه عقله إن يكون له حكم فيه وكذلك النائم وكل من لم يتصف بالعقل ولما وصل في هذه الدار إلى الحد الذي أوجب عليه التكليف بقيام هذه الصفة إذا كشف عنه الغطاء في هذه الدار لم يرتفع عنه التحجير ولا خطاب الشرع لحكم الدار لا لحكم الحال لأنه كان يعطي القياس ارتفاع التحجير عمن هو بهذه الصفة ولكن لا بد للدار من حكم كما يفعل بأطفال المشركين والكفار نلحقهم بآبائهم للدار وإن علمنا أنهم على الفطرة وما أشركوا ولا كفروا فللدار حكم فإذا جاء وعد الآخرة وانتقلنا إليها خرجنا عن حكم الدار فارتفع عنا حكم التكليف في دار الرضوان وأختها كذلك من أطلعه الله هنا في هذه الدار على سعادته وأطلع آخر على شقاوته لم تسقط هذه المطالعة عنهما التحجير ولا التكليف لأن أصل وضع النواميس في هذه الدار إنما هو لمصلحة الدنيا والآخرة فمن المحال رفع التحجير ما دامت الدنيا ودام من فيها فلو لا هذا لكان من كشف عنه الغطاء ارتفع عنه التحجير لأنه لا يرى فاعلا إلا الله والشئ لا يحجر على نفسه وإن أوجب على نفسه ما أوجب فذلك تأنيس لنا فيما توجبه على أنفسنا لنا فإن أوجبناه له أوجبه علينا لنتميز فنعصي بتركه ولو ترك الحق ما أوجبه على نفسه لم يكن له هذا الحكم فإن هذا الحكم لا يتعلق بمن تعلق به إلا من حيث إن الغير أوجبه فلو لا ما أوجبه الحق علينا حين أوجبناه على أنفسنا لم نكن عصاة إذا تركناه فإذا وفي به من لم يوجبه عليه غيره فمنة منه وفضل ومكارم أخلاق فإن قلت هذا إذا كان في الخير فإن كان شرا قلنا ما ثم الأخير والخير على قسمين خير محض وهو الذي لا شر فيه وخير ممتزج وهو الذي فيه ضرب من الشر كما بيناه من شرب الدواء المكره وكالمؤمن إذا عصى وأطاع فإن المؤمن لا تخلص له معصية دون طاعة أصلا فإن الايمان بكونها معصية طاعة وفي هذا تنبيه لمن كان له قلب فيرجع الأمر في الآخرة إلى الأمر الذي كان عليه اليتيم قبل البلوغ وإنما قلنا في اليتيم وكل صبي دون البلوغ كذلك مع كونه ليس بيتيم لأن اليتيم في تدبير وليه والولي الله لأنه ولي المؤمنين وغير اليتيم في تدبير أبيه فلا ينظر إليه مع وجود أبيه لأن الفرع يستمد من أصله الأقرب ألا ترى الثمرة لا تعرف لها أصلا إلا فرع الشجرة لأنها من الفرع تستمد والفرع يعرف الأصل الذي تجهله الثمرة واليتيم قد علم إن أباه قد اندرج فانكسر قلبه ولم يكن له أصل يدل عليه فعرفه العلماء بالله أنه ليس له إلا من كان لأبيه وهو الله فيرجع إلى الله في أموره فلما كان حال اليتيم مع الله في نفسه بهذه المثابة جعل الله له حظا في المغنم ليتوفر عليه ما هو له وهو ما يرى الصبي من إضافة الأفعال إليه وعدم التحجير عليه فيها فمن يمسح على رأس يتيم كان له بكل شعرة حسنة وليس ذلك لغير اليتيم وحكم المسكين حكم اليتيم من عدم الناصر الظاهر فقوى الله ضعفه أي زاده الله ضعفا إلى ضعفه فإن المخلوق ضعيف بحكم الأصالة فإذا زاده الله ضعفا إلى ضعفه كان مسكينا فما تكون له صولة فإن صال وهو مسكين فقد أبغضه الله فإنه ظهر منه ما يخالف حاله فقد كلف نفسه ما لا يقتضيه مقامه ولذلك قال رسول الله ص ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم
(٤٨٠)