ما يملأ الكون غير من قد جاد على الخلق بالوجود وذلك الحق لا سواه ما رتبة الرب كالعبيد من علم الحق علم ذوق لم يدر ما لذة السجود فنار جهنم لها نضج الجلود وحرق الأجسام ونار الله نار ممثلة مجسدة لأنها نتائج أعمال معنوية باطنة ونار جهنم نتائج أعمال حسية ظاهرة ليجمع لمن هذه صفته بين العذابين كما فعل بأهل الجزية في إعطائها عن يد وهم صاغرون فعذبهم بعذاب إخراج المال من أيديهم وبين الصغار والقهر الذي هو عذاب نفوسهم مما يجدون في ذلك من الحرج ألا ترى المنافق في الدرك الأسفل من النار فهو في نار الله لما كان عليه من إصرار الكفر وما له في الدرك الأول مقعد لما أتى به من الأعمال الظاهرة بخلاف الكافر فإن له من جهنم أعلاها وأسفلها فما عنده من يعصمه من نار الله ولا من نار جهنم وأما حكم الذي جحدها واستيقن الحق وأعتقده فإنه على ضد أو عكس عذاب المنافق فإنه عالم بالحق يتحقق به في نفسه ولم يظهر ذلك على ظاهر نشأته فأظهر خلاف ما أضمر والنار إنما تطلب من الإنسان من لم تظهر عليه صورة حق من ظاهر وباطن فالعلم للباطن كالعمل للظاهر والجهل للباطن كترك الواجب للظاهر وهنا يتبين للإنسان مراتب وأسباب المؤاخذات الإلهية لعباده في الدار الآخرة فإذا استوفيت الحدود عمت الرحمة من خزانة الجود وهو قوله وأما الذين شقوا ففي النار خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض الآية وهذا هو الحد الزماني لأن التبديل لا بد أن يقع بالسموات والأرض فتنتهي المدة عند ذلك وهو في حق كل إنسان من وقت تكليفه إلى يوم التبديل لأنه غير مخاطب ببقاء السماوات والأرض قبل التكليف وهذا في حق السعيد والشقي فهما في نتائج أعمالهما هذه المدة المعينة فإذا انتهت انتهى نعيم الجزاء الوفاق وعذاب الجزاء وانتقل هؤلاء إلى نعيم المنن الإلهية التي لم يربطها الله بالأعمال ولا خصها بقوم دون قوم وهو عطاء غير مجذوذ ما له مدة ينتهي بانتهائها كما انتهى الكفر والايمان هنا بانتهاء عمر المكلف وانتهت إقامة الحدود في الأشقياء والنعيم الجزائي في السعداء بانتهاء مدة السماوات والأرض إلا ما شاء ربك في حق الأشقياء إن ربك فعال لما يريد وكذا وقع الأمر بحسب ما تعلقت به المشيئة الإلهية وما قال تعالى في الأشقياء عذابا غير مجذوذ كما قال تعالى في السعداء فعلمنا بذكر مدة السماء والأرض وحكم الإرادة في الأشقياء والإعراض عن ذكر العذاب إن للشقاء مدة ينتهي إليها حكمه وينقطع عن الأشقياء بانقطاعها وأن جزاء السعيد على مثل ذلك ثم تعم المنن والرضي الإلهي على الجميع في أي منزل كانوا فإن النعيم ليس سوى ما يقبله المزاج وغرض النفوس لا أثر للأمكنة في ذلك فحيثما وجد ملائمة الطبع ونيل الغرض كان ذلك نعيما لصاحبه فاعلم ذلك ومتعلق الاستثناء معلوم في الطائفتين لما كان عليه الكافر من نعيم الحياة الدنيا من نيل أغراضه وصحة بدنه ولما كان عليه المؤمن من عدم نيل أغراضه وأمراضه في الدنيا كل ذلك من زمان تكليف كل واحد من الطائفتين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الوصل الثاني عشر من خزائن الجود) وهو الإهمال الإلهي فلا يدري صاحبه ما له فإن كل عبد استحق العقاب على مخالفته لما جاء الرسول إليه به فقد أمهله الله وما أخذه وهو تحت حكم سلطان الاسم الحليم فهو كالمهمل فلا يدري هل تسبق له العناية بالمغفرة والعفو قبل إقامة الحد الإلهي عليه بالحكم أو يؤخذ فيقام عليه حدود جناياته إلى أجل معلوم ولما كان هذا الاحتمال يسوع فيمن أمهله الله كانت صورة صاحب هذا الوصف صورة المهمل فإن الإهمال من جانب الحق ما يصح فإنه في علم الله السابق إما مغفور له وإما مؤاخذ بما جنى على نفسه فهو على خطر وعلى غير علم بما سبق له في الكتاب الماضي الحكم فإن الحكم يحكم على الحاكم العادل كما يحكم على المحكوم عليه فأما بالأخذ وإما بالعفو في الشخص الذي هو على نعت وحال يوجب له أحد الأمرين مما ذكرناه وليس إلا من أمهله الله فلم يؤاخذه في وقت المخالفة وكفى بالترقب للعارف العاصي الممهل الذي هو في صورة المهمل عذابا في حقه لأنه لا يدري ما عاقبة الأمر فيه وما من طائفة إلا وهي تحت ناموس شرعي حكمي أو وضع حكمي فلا تخلو أمة من مخالفة تقع منها لناموسها كان
(٣٨٧)