من المعضل من المتشابه وفيه علم تعلق الايمان بما ليس بحق مثل قوله والذين آمنوا بالباطل وفيه علم الداعي الذي يوجب استعجال طلب الشقاء وفيه علم مواطن الايمان والزلف وفيه علم مراتب الصبر والتوكل وفيه علم من عرف الحق واجتنبه وما يحمد من ذلك وما يذم كالحق المأمور باجتنابه كالغيبة وفيه علم البسط المحمود والمذموم وفيه علم من علم أمرا فقيل له ما تعلمه وفيه علم الحياة السارية في الموجودات وبطونها في الدنيا وظهورها في الآخرة وبأي بصر كشفها في الدنيا من كشفها وفيه علم الاضطرار وكيف يذهب بذهابه وفيه علم الطرق إلى الله وإن اختلفت فكلها حق وما يحمد منها ويذم وما يوصل إلى السعادة منها وما يحيد بسالكه عن سعادته مع كونه يصل إلى الله وفيه علم المعية الإلهية ومراتب الموجودات فيها فهذا بعض ما يحوي عليه هذا المنزل من العلوم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس والخمسون وثلاثمائة في معرفة منزل ثلاثة أسرار مكتتمة والسر العربي في الأدب الإلهي والوحي النفسي والطبيعي وهو من الحضرة المحمدية) بذلت نفسي لنفسي كي أفوز بمن * قد كان عندي ولم أشعر بموضعه حتى رأيت له شكلا يماثلني * فغبت فيه بأمر من مشرعه هل للنعيم به أو للتخلق بالأسماء * فانظر إلى أحوال مبدعة فإن يخاطبك الرحمن من كتب * بسر حكمته فاحضر عسى تعه اعلم أيدك الله أن الله تعالى لما عمر الخلأ بالعالم كله امتلأ به وخلق فيه الحركة ليستحيل بعضه لبعض وتختلف فيه الصور بالاستحالات لطبيعة الخلاء الذي ملأه من العالم ذلك الذي استحال إليه فلا يزال يستحيل دائما وذلك هو الخلق الجديد الذي أكثر الناس منه في لبس وشك ومن علم هذا من أهل الله الذين أشهدهم الله ذلك عينا في سرائرهم علم استحالة الدنيا إلى الآخرة واستحالة الآخرة بعضها إلى بعض كما استحال منها ما استحال إلى الدنيا كما ورد في الخبر في النيل والفرات وسيحان وجيحان إنها من أنهار الجنة استحالت فظهرت في الدنيا بخلاف الصورة التي كانت عليها في الآخرة ومن ذلك قوله بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة فاستحالت تربة في الدنيا في مساحة مقدرة معلومة وكذلك وادي محسر هو واد في النار استحال إلى الدنيا وآدم وحواء وإبليس من عالم الآخرة استحالوا إلى الدنيا ثم يستحيلون إلى الآخرة فتتغير عليهم الصور بحسب ما تعطيه طبيعة المكان المتوهم الذي تنقلهم إليه الحركة فتؤثر فيهم روحا كان أو جسما متحيزا كان أو غير متحيز والله محركه على الدوام ولولا نحن ما تميزت آخرة من دنيا فإن الله ما اعتبر من العالم في هذه الإضافة إلا هذا النوع الإنساني والجان فجعل الظهور للانس من اسمه الظاهر وجعل البطون للجان من اسمه الباطن وما عداهما فمسخر لهما كما هو في نفسه مسخر بعضه لبعضه من أجل الدرجات التي أنزلهم فيها فأعطتهم الدرجات صور ما استحالوا إليه لما نقلتهم الحركة الإلهية إليها ولما لم تظهر لأعياننا إلا هنا سميت هذه الدار دار الدنيا والأولى وسميت الحياة الدنيا فإذا استحلنا إلى البرزخ واستحلنا من البرزخ إلى الصور التي يكون فيها النشر والبعث سميت تلك الآخرة ولا يزال الأمر في الآخرة في خلق جديد منها فيها أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار إلى ما لا يتناهى فلا نشاهد في الآخرة إلا خلقا جديدا في عين واحدة فالعالم متناه لا متناه ولما كان الأمر هكذا لذلك يرى الإنسان نفسه إذا هو نام في الجنة أو في القيامة أو في غير مكانه وبلده مما يعرفه أو يجهله وفي غير صورته وفي غير حاله فقد استحال في نفسه بحركته التي نقلته من اليقظة إلى النوم إلى صور يعهدها في أوقات ولا يعهدها في أوقات وإلى أحوال محمودة حسنة يسر بها وأحوال مذمومة قبيحة يتألم لها ثم تسرع إليه الاستحالة فيرجع إلى اليقظة إما باستيفاء المعنى الذي استحال إليه في النوم فلم يبق فيه ما يعطيه في تلك الاستحالة الخاصة وهو الذي ينتبه من غير سبب وهو الانتباه الطبيعي لما أخذت النفس للعين حقها من النوم الذي فيه راحتها فإن انتقل من النوم إلى اليقظة بسبب إما من جهة الحس وإما من أمر مفزع أو حركة ما مزعجة ظهرت منه في حال نومه فاستيقظ فإن وافق ذلك الأمر استيفاء العين حقها من النوم الطبيعي كان وإن لم يوافق وبقي من حق العين بقية لولا ذلك السبب لاستوفاها فإنه يستوفيها في نوم آخر ولذلك بعض النائمين يطول نومهم في وقت وسبب طوله ما ذكرناه وأما قصر نومه فلأحد أمرين وهو ما ذكرناه
(٢٥٣)