فأول صورة قبل نفس الرحمن صورة العماء فهو بخار رحماني فيه الرحمة بل هو عين الرحمة فكان ذلك أول ظرف قبله وجود الحق فكان الحق له كالقلب للإنسان كما أنه تعالى لقلب الإنسان العارف المؤمن كالقلب للإنسان فهو قلب القلب كما أنه ملك الملك فما حواه غيره فلم يكن إلا هو ثم إن جوهر ذلك العماء قبل صور الأرواح من الراحة والاسترواح إليها وهي الأرواح المهيمة فلم تعرف غير الجوهر الذي ظهرت فيه وبه وهو أصلها وهو باطن الحق وغيبه ظهر فظهر فيه وبه العالم فإنه من المحال أن يظهر العالم من حكم الباطن فلا بد من ظهور حق به يكون ظهور صور العالم فلم يكن غير العماء فهو الاسم الظاهر الرحمان فهامت في نفسها ثم إيه واحدا من هذه الصور الروحية بتجل خاص علمي انتقش فيه علم ما يكون إلى يوم القيامة مما لا تعلمه الأرواح المهيمة فوجد في ذاته قوة امتاز بها عن سائر الأرواح فشاهدهم وهم لا يشاهدونه ولا يشهد بعضهم بعضا فرأى نفسه مركبا منه ومن القوة التي وجدها علم بها صدوره كيف كان وعلم إن في العلم حقائق معقولات سماها معقولات من حيث إنه عقلها لما تميزت عنده فلم يكن لها أن يكون كل واحدة منها عين الأخرى فهي للحق معلومات وللحق ولأنفسها معقولات ولا وجود لها في الوجود الوجودي ولا في الوجود الإمكاني فيظهر حكمها في الحق فتنسب إليه وتسمى أسماء إلهية فينسب إليها من نعوت الأزل ما ينسب إلى الحق وتنسب أيضا إلى الخلق بما يظهر من حكمها فيه فينسب إليها من نعوت الحدوث ما ينسب إلى الخلق فهي الحادثة القديمة والأبدية الأزلية وعلم عند ذلك هذا العقل أن الحق ما أوجد العالم إلا في العماء ورأى أن العماء نفس الرحمن فقال لا بد من أمرين يسميان في العلم النظري مقدمتين لإظهار أمر ثالث هو نتيجة ازدواج تينك المقدمتين ورأى أن عنده من الحق ما ليس عند الأرواح المهيمة فعلم أنه أقرب مناسبة للحق من سائر الأرواح ورأى في جوهر العماء صورة الإنسان الكامل الذي هو للحق بمنزله ظل الشخص من الشخص ورأى نفسه ناقصا عن تلك الدرجة وقد علم ما يتكون عنه من العالم إلى آخره في الدنيا وفي المولدات فعلم أنه لا بد أن يحصل له درجة الكمال التي للإنسان الكامل وإن لم يكن فيها مثل الإنسان فإن الكمال في الإنسان الكامل بالفعل وهو في العقل الأول بالقوة وما كان بالقوة والفعل أكمل في الوجود ممن هو بالقوة دون الفعل ولهذا وجد العامل في عينه فأخرجه من القوة إلى الفعل ليتصف بكمال الاقتدار ولو كان في الإمكان إيجاد الممكنات كلها لما ترك منها واحدا منعوتا بالعدم لكن يستحيل ذلك لعدم التناهي وما يدخل في الوجود فلا بد أن يكون متناهيا فتجلى له الحق فرأى لذاته ظلالان ذلك التجلي كان كالكلام لموسى من جانب الطور كذلك كان التجلي الإلهي لهذا العقل من الجانب الأيمن فإن لله يدين مباركتين مبسوطتين يعني فيهما الرحمة فلم يقرن بهما شيئا من العذاب فيعطي رحمة يبسطها ويعطي رحمة يقبضها فإن القبض ضم إليه والبسط انفساخ فيه فكان ذلك الظل الممتد عن ذات العقل من نور ذلك التجلي وكثافة المحدث بالنظر إلى اللطيف الخبير نفسا وهو اللوح المحفوظ والطبيعة الذاتية مع ذلك كله وتسمى هناك حياة وعلما وإرادة وقولا كما تسمى في الأجسام حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة كما تسمى في الأركان نارا وهواء وماء وترابا كما تسمى في الحيوان سوداء وصفراء وبلغما ودما والعين واحدة والحكم مختلف فالعين واحدة والحكم مختلف * وذاك سر لأهل العلم ينكشف ثم صرف العقل وجهه إلى العماء فرأى ما بقي منه لم يظهر فيه صورة وقد أبصر ما ظهرت فيه الصور منه قد أنار بالصور وما بقي دون صورة رآه ظلمة خالصة ورأى أنه قابل للصور والاستنارة فاعلم إن ذلك لا يكون إلا بالتحامك بظلك فعمه التجلي الإلهي كما تعم لذة الجماع نفس الناكح حتى تغيبه عن كل معقول ومعلوم سوى ذاتها فلما عمه نور التجلي رجع ظله إليه واتحد به فكان نكاحا معنويا صدر عنه العرش الذي ذكر الحق أنه استوى عليه الاسم الرحمن فقال الرحمن على العرش استوى فما أنكره من أنكره أعني الاسم الرحمن إلا للقرب المفرط ولم يقروا بالله إلا لما يتضمنه هذا الاسم من الرحمة والقهر فعلم وجهل الرحمن فقالوا وما الرحمن ولو قالها بلسان غير العربي لقال ما يشبه هذا المعنى ويقع الإنكار منهم أيضا فلا أقرب من الرحمة إلى الخلق لأنه ما ثم أقرب إليهم من وجودهم ووجودهم رحمة بلا شك (الفصل الثاني) في صورة العرش والكرسي والقدمين والماء الذي عليه العرش والهواء الذي عليه الماء والظلمة
(٤٣٠)