ومنها مترادفة ومع ترادفها فلا بد أن يفهم من كل واحد معنى لا يكون في الآخر فعلمنا ما سمي به نفسه واقتصرنا عليها فأوجد الدار الدنيا وأسكن فيها الحيوان وجعل الإنسان الكامل فيها إماما وخليفة أعطاه علم الأسماء لما تدل عليه من المعاني وسخر لهذا الإنسان وبنيه وما تناسل منه جميع ما في السماوات وما في الأرض وخلق خلقا إن قلت فيه موجود صدقت وإن قلت فيه معدوم صدقت وإن قلت فيه لا موجود ولا معدوم صدقت وهو الخيال وله حالان حال اتصال وهذا الحال له بوجود الإنسان وبعض الحيوان وحال انفصال وهو ما يتعلق به الإدراك الظاهر منحازا عنه في نفس الأمر كجبريل في صورة دحية ومن ظهر من عالم الستر من الجنة من ملك وغيره وخلق الجنة والمنزل الذي يكون يوم القيامة نارا فخلق من النار ما خلق وبقي منها ما بقي في القوة وجعل ذلك فيما جعل الله في هذا الوجود الطبيعي من الاستحالات فالذي هو اليوم دار دنيا يكون غدا في القيامة دار جهنم وذلك في علم الله وقد بينا ذلك في الصورة المثالية المتقدمة في هذا الباب على التقريب (الفصل الثامن) في الكثيب ومراتب الخلق فيه اعلم أن الكثيب هو مسك أبيض في جنة عدن وجنة عدن هي قصبة الجنة وقلعتها وحضرة الملك وخواصه لا تدخلها العامة إلا بحكم الزيارة وجعل في هذا الكثيب منابر وأسرة وكراسي ومراتب لأن أهل الكثيب أربع طوائف مؤمنون وأولياء وأنبياء ورسل وكل صنف ممن ذكرنا أشخاصه يفضل بعضهم بعضا قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض وقال ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض فتفضل منازلهم بتفاضلهم وإن اشتركوا في الدار ومن هذا الباب قوله ورفع بعضكم فوق بعض درجات يعني الخلق فدخل فيه جميع بني آدم دنيا وآخرة فإذا أخذ الناس منازلهم في الجنة استدعاهم الحق إلى رؤيته فيسارعون على قدر مراكبهم ومشيهم هنا في طاعة ربهم فمنهم البطئ ومنهم السريع ومنهم المتوسط ويجتمعون في الكثيب وكل شخص يعرف مرتبته علما ضروريا يجري إليها ولا ينزل إلا فيها كما يجري الطفل إلى الثدي والحديد إلى المغناطيس لو رام أن ينزل في غير مرتبته لما قدر ولو رام أن يتعشق بغير منزلته ما استطاع بل يرى في منزلته أنه قد بلغ منتهى أمله وقصده فهو يتعشق بما هو فيه من النعيم تعشقا طبيعيا ذاتيا لا يقوم بنفسه ما هو عنده أحسن من حاله ولولا ذلك لكانت دار ألم وتنغيص ولم تكن جنة ولا دار نعيم غير إن الأعلى له نعيم بما هو فيه في منزلته وعنده نعيم الأدنى وأدنى الناس منزلة على أنه ليس ثم من دنى من لا نعيم له إلا بمنزلة خاصة وأعلاهم من لا أعلى منه له نعيم بالكل فكل شخص مقصور عليه نعيمه فما أعجب هذا الحكم ففي الرؤية الأولى يعظم الحجاب على أهل النار والتنغيص والعذاب بحيث إنهم لا يكون عندهم عذاب أشد عذابا من ذلك فإن الرؤية الأولى تكون قبل انقضاء أجل العذاب وعموم الرحمة الشاملة وذلك ليعرفوا ذوقا عذاب الحجاب وفي الرؤية الثانية إلى ما يكون بعد ذلك تعم الرحمة ولهم أعني لأهل الجحيم رؤية من خوخات أبواب النار على قدر ما اتصفوا به في الدنيا من مكارم الأخلاق فإذا نزل الناس في الكثيب للرؤية وتجلى الحق تعالى تجليا عاما على صور الاعتقادات في ذلك التجلي الواحد فهو واحد من حيث هو تجل وهو كثير من حيث اختلاف الصور فإذا رأوه انصبغوا عن آخرهم بنور ذلك التجلي وظهر كل واحد منهم بنور صورة ما شاهده فمن علمه في كل معتقد فله نور كل معتقد ومن علمه في اعتقاد خاص معين لم يكن له سوى نور ذلك المعتقد المعين ومن اعتقد وجودا لاحكم له فيه بتنزيه ولا تشبيه بل كان اعتقاده أنه على ما هو عليه فلم ينزه ولم يشبه وآمن بما جاء من عنده تعالى على علمه فيه سبحانه فله نور الاختصاص لا يعلم إلا في ذلك الوقت فإنه في علم الله فلا يدري هل هو أعلى ممن عمم الاعتقادات كلها علمه أو مساو له وأما دونه فلا فإذا أراد الله رجوعهم إلى مشاهدة نعيمهم بتلك الرؤية في جناتهم قال لملائكة وزعة الكثيب ردوهم إلى قصورهم فيرجعون بصورة ما رأوا ويجدون منازلهم وأهليهم منصبغين بتلك الصورة فيتلذذون بها فإنهم في وقت المشاهدة كانوا في حال فناء عنهم فلم تقع لهم لذة في زمان رؤيتهم بل اللذة عند أول التجلي حكم سلطانها عليهم فأفنتهم عنها وعن أنفسهم فهم في اللذة في حال فناء لعظيم سلطانها وإذا أبصروا تلك الصورة في منازلهم وأهليهم استمرت لهم اللذة وتنعموا بتلك المشاهدة فتنعموا في هذا الموطن بعين ما أفناهم في الكثيب ويزيدون في ذلك التجلي وفي تلك
(٤٤٢)