هنا إلا لأمر دقيق لا يشعر به كثير من المؤمنين العلماء وقد نبه الله عليه لمن ألقى السمع وهو شهيد وذلك أن المنافقين هنا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا لو قالوا ذلك حقيقة لسعدوا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم لو قالوا ذلك وسكتوا ما أثر فبهم الذم الواقع وإنما زادوا إنما نحن مستهزءون فشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كاذبين فما أخذوا إلا بما أقروا به وإلا لو أنهم بقوا على صورة النفاق من غير زيادة لسعدوا ألا ترى الله لما أخبر عن نفسه في مؤاخذته إياهم كيف قال الله يستهزئ بهم فما أخذهم بقولهم إنا معكم وإنما أخذهم بما زادوا به على النفاق وهو قولهم إنما نحن مستهزءون وما عرفك الله بالجزاء الذي جازى به المنافق إلا لتعلم من أين أخذ من أخذ حتى تكون أنت تجتنب موارد الهلاك وقد قال ع إن مداراة الناس صدقة فالمنافق يداري الطرفين مداراة حقيقة ولا يزيد على المداراة فإنه يجني ثمرة الزائد كان ما كان فتفطن فقد نبهتك على سر عظيم من أسرار القرآن وهو واضح ووضوحه إخفاء وانظر في صورة كل منافق تجده ما أخذ إلا بما زاد على النفاق وبذلك قامت عليه الحجة ولو لم يكن كذلك الحشر على الأعراف مع أصحاب الأعراف وكان حاله حال أصحاب الأعراف ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا فالمؤمن المداري منافق وهو ناج فاعل خير فإنه إذا انفرد مع أحد الوجهين أظهر له الاتحاد به ولم يتعرض إلى ذكر الوجه الآخر الذي ليس بحاضر معه فإذا انقلب إلى الوجه الآخر كان معه أيضا بهذه المثابة والباطن في الحالتين مع الله فإن المقام الإلهي هذه صورته فإنه لعباده بالصورتين فنزه نفسه وشبه فالمؤمن الكامل بهذه المثابة وهذا عين الكمال فاحذر من الزيادة على ما ذكرته لك وكن متخلقا بأخلاق الله وقد قال تعالى لنبيه ص ممتنا عليه فيما رحمة من الله لنت لهم واللين خفض الجناح والمداراة والسياسة ألا ترى إلى الحق تعالى يرزق الكافر على كفره ويمهل له في المؤاخذة عليه وقال عز وجل لموسى وهارون في حق فرعون فقولا له قولا لينا وهذه عين المداراة فإنه يتخيل في ذلك إنك معه ومن هذا المقام لما ذقته واتحدت به اتفق لي أني صحبت الملوك والسلاطين وما قضيت لأحد من خلق الله عند واحد منهم حاجة إلا من هذا المقام وما زدني أحد من الملوك في حاجة التمستها منه لأحد من خلق الله وذلك أني كنت إذا أردت أن أقضي عنده حاجة أحد أبسط له بساطا استدرجه فيه حتى يكون الملك هو الذي يسأل ويطلب قضاء تلك الحاجة مسارعا على الفور بطيب نفس وحرص لما يرى له فيها من المنفعة فكنت أقضي للسلطان حاجة بأن أقبل منه قضاء حاجة ذلك الإنسان ولقد كلمت الملك الظاهر بأمر الله صاحب حلب في حوائج كثيرة فقضى لي في يوم واحد مائة حاجة وثمان عشرة حاجة للناس ولو كان عندي في ذلك اليوم أكثر من هذا قضاء طيب النفس راغبا وإذا حصل للإنسان هذه القوة انتفع به الناس عند الملوك فما في العالم أمر مذموم على الإطلاق ولا محمود على الإطلاق فإن الوجوه وقرائن الأحوال تقيده فإن الأصل التقييد لا الإطلاق فإن الوجود مقيد بالضرورة ولذلك يدل الدليل على إن كل ما دخل في الوجود فإنه متناه فالإطلاق الصحيح إنما يرجع لمن في قوته إن يتقيد بكل صورة ولا يطرأ عليه ضرر من ذلك التقييد وليس هذا إلا لمن تحقق بالمداراة وهو الإمعة والله عز وجل يقول وهو معكم أينما كنتم فهي أشرف الحالات لمن عرف ميزانها وتحقق بها وهو واحد وأين ذلك الواحد إلا إن النفاق هو النفاق * إليه إذا تحققت المساق فكن فيه تكن بالحق صرفا * وتحمده إذ شد الوثاق إذا ما كنت معتمد الشئ * فأنت له إذا فكرت ساق على العمد الذي قد غاب عنا * إذا ما كنت تعتمد الطباق فكن ذاك العماد تكن إماما * فيظهر عندك الدين الوفاق فتدبر القرآن من كونه فرقانا وقرآنا فللقرآن موطن وللفرقان موطن فقم في كل موطن باستحقاقه تحمدك المواطن والمواطن شهداء عدل عند الله فإنها لا تشهد إلا بصدق وقد نصحتك فاعمل والله الموفق قلنا وفي هذا المنزل من العلوم علم دقيق خفي لا يشعر به لخفائه مع ظهوره فإن العلماء بالله قد علموا شمول الرحمة
(٤٧٢)