ليس فيه منع قلنا صدقت قال فإذا كنت صادقا وسلمت لي قولي فما حكم الاسم الإلهي المانع وهذا المنع الواقع في العالم لما ذا يرجع فإننا لا ننكره قلنا أما الجود الإلهي فلا منع فيه ولكن لا يقبله إلا الممكن لا يقبله المحال فإذا عرفت القابل عرفت المانع والمنع فالقوابل تقبل من هذا الجود المطلق بحسب استعداداتها كالشقة والقصار في فيض الشمس نورها فتبيض الشقة وتسود وجه القصار إن كان أبيض فيقول لهما الحكيم النور واحد ولكن مزاج القصار لا يقبل من نور الشمس إلا السواد والشقة على مزاج يقبل البياض فمزاجك منعك من قبول البياض ويقال للشقة مزاجك منعك من قبول السواد فلكل واحد من المذكورين أن يقول فالمسألة بحالها لم لم تعطني المزاج الذي يقبل السواد والقصار يقول لم لم تعطني المزاج الذي يقبل البياض قلنا لا بد في العالم من شقة وقصار فلا بد من مزاج يقبل البياض ومزاج يقبل السواد فلا بد منكما كنتما ما كنتما فإن العالم لا بد فيه من كل شئ فلا بد أن يكون فيه كل مزاج والحق تعالى ما هو فعله مع الأغراض التي أوجدها في عباده وإنما هو مع ما تطلبه الحكمة والذي اقتضته الحكمة هو الواقع في العالم فعين ظهوره هو عين الحكمة فإنه فعل الله لا يعلل بالحكمة بل هو عين الحكمة فإنه لو علل بالحكمة لكانت الحكمة هي الموجبة له ذلك فيكون الحق محكوما عليه والحق تعالى لا يكون محكوما عليه فلا يوجب موجب عليه شيئا إلا ما ذكر لنا أنه أوجب على نفسه لا أنه أوجب عليه موجب غيره أمرا ما فأي محل فرضته لمزاج خاص يتصور أن يقول قد منعني غير هذا المزاج وهذا غلط لأن عين المزاج هو عين ما ظهر لا غيره ولا يصح أن يقول الشئ عن نفسه لم لم يكن غيري كما قدمنا في الباب الذي قبل هذا الباب أن التركيب ليس إلا البسائط فالتركيب نسبة والنسب عدمية وقد ظهر أمر لم يكن يظهر لولا تركيب هذه البسائط وجمعها وما هو هذا الظاهر غير أعيان البسائط وكذلك هذا الظاهر عن هذا المزاج ما هو غير المزاج فما ثم على الحقيقة من يقول لأي شئ منعت وإذا لم يكن ثم لم يصح المنع في الجود الإلهي فبقي المنع والمانع إنما يرجعان إلى نسب مقدرة وما كان أحد أظهره الله على هذا العلم وأمثاله وتنزلت ألسنة الشرائع بحسب ما وقع عليه التواطؤ في ألسنة العالم ولذلك قال تعالى وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه فلا ينزل إلا بما تواطئوا عليه فقد يكون التواطؤ على صورة ما هي الحقائق عليه وقد لا يكون والحق تابع لهم في ذلك كله ليفهم عنه ما أنزله في أحكامه وما وعد به وأوعد عليه كما قد دل الدليل العقلي على استحالة حصر الحق في أينية ومع هذا جاء لسان الشرع بالأينية في حق الحق من أجل التواطؤ الذي عليه لسان المرسل إليهم فقال للسوداء أين الله فلو قالها غير الرسول لشهد الدليل العقلي بجهل القائل فإنه لا أينية له فلما قالها الرسول وبانت حكمته وعلمه علمنا أنه ليس في قوة فهم هذا المخاطب أن يعقل موجدة إلا بما تصوره في نفسه فلو خاطبه بغير ما تواطأ عليه وتصوره في نفسه لارتفعت الفائدة المطلوبة ولم يحصل القبول فمن حكمته أن سأل مثل هذه بمثل هذا السؤال وبهذه العبارة ولذلك لما أشارت إلى السماء قال فيها إنها مؤمنة أي مصدقة بوجود الله ولم يقل عالمة فالعالم يصحب الجاهل في جهله بعلمه والجاهل لا يقدر على صحبة العالم على علمه إن لم يكن العالم ينزل إليه في صورة جهله وكل ذلك حكمة إلهية في العالم واعلم أن المهانة حقيقة العالم التي هو عليها لأنه بالذات ممكن فقير فهو ممنوع من جميع نيل أغراضه وإراداته منعا ذاتيا ولا يحجبنك وقوع بعض مراداته ونيل بعض أغراضه عما قلناه في حقه فإن ذلك ما وقع له إلا بإرادة الحق لا بإرادته فذلك المراد وإرادة العبد معا إنما هما واقعان بإرادة الحق فهو ممتنع بالذات أن يكون شئ في الوجود موجودا عن إرادة العبد ولو كان لإرادة العبد نفوذ في أمر خاص لعم نفوذها في كل شئ لو كان ذلك المراد وقع لعين إرادة الممكن فتعين إن ذلك الواقع وقع بإرادة الله عز وجل فالعالم ممنوع لذاته كما هو ممكن مهان لذاته وإنما كان مهانا لذاته لأن العبودية له لذاته وهي الذلة وكل ذليل مهين وكل مهين محتقر وكل محتقر مغلوب فصح ما جاء في المنازلة من أنه من حقر غلب ومن استهين منع والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس والثمانون وثلاثمائة في معرفة منازلة حبل الوريد وأينية المعية) أنا مع العبد حيث كانا * مستقبلا ماضيا وأنا
(٥٣٠)