(فصل) في قوله تعالى وذكرهم بأيام الله وأما تذكيره بأيام الله فهي أيام الأنفاس على الحقيقة فإنها أقل ما ينطلق عليه اسم يوم فهو أن تذكره بقوله كل يوم هو في شأن فتلك أيام الله وأنت في غفلة عنها وتدخل في مضمون قوله تعالى إن في ذلك إشارة إلى قوله كل يوم هو في شأن مع غير ذلك لعبرة لمن كان له قلب أي لمن له فطنة بالتقلب في الأحوال أو تقلب الأحوال عليه فيعلم من ذلك شؤون الحق وحقائق الأيام التي الحق فيها في شأن فالشأن واحد العين والقوابل مختلفة كثيرة يتنوع فيها هذا الشأن بتنوعها واختلافها فهو من الله واحدة وفي صور العالم كثيرة كالصورة الواحدة في المرايا الكثيرة والظلالات الكثيرة من الشخص الواحد للسرج المتعددة هكذا الأمر أو ألقى السمع لما يتلى عليه من قوله كل يوم هو في شأن وأمثاله وهو شهيد من نفسه تقلب أحواله فيكون على بصيرة في ذلك من الله فهذه أيام الله التي ينبغي أن يذكر العبد بها إلى أمثال ذلك من أيام الله وهي أيام النعم وأيام الانتقام التي أخذ الله فيها المقرون الماضية واعلم أن البلايا أكثر من النعم في الدنيا فإنه ما من نعمة ينعمها الله على عباده تكون خالصة من البلاء فإن الله يطالبه بالقيام بحقها من الشكر عليها وإضافتها إلى من يستحقها بالإيجاد وأن يصرفها في الموطن الذي أمره الحق أن يصرفها فيه فمن كان شهوده في النعم هذا الشهود متى يتفرع للالتذاذ بها وكذلك في الرزايا هي في نفسها مصائب وبلايا ويتضمنها من التكليف ما يتضمنه النعم من طلب الصبر عليها ورجوعه إلى الحق في رفعها عنه وتلقيها بالرضى أو الصبر الذي هو حبس النفس عن الشكوى بالله إلى غير الله وهذا غاية الجهل بالله لأنك تشكو بالقوي إلى الضعيف لما تجد في حال الشكوى من الراحة مع كونك تشتكي إلى غير مشتكى لأنك تعلم أنه ما بيده شئ ولا يقدر على رفع ما نزل بك إلا من أنزله وقد علمت أن الدار دار بلاء لا يخلص فيها النعيم عن البلاء وقتا واحدا وأقله طلب الشكر من المنعم بها عليها وأي تكليف أشق منه على النفس ولذلك قال تعالى وقليل من عبادي الشكور لجهلهم بالنعم إنها نعم يجب الشكر عليها يؤيد ما قلناه قوله تعالى إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور في حق راكب البحر إذا اشتد الريح عليه وبرد فيما فيها من النعمة يطلب منه الشكر عليها وبما فيها من الشدة والخوف يطلب منه الصبر فافهم وتدبر كلام الله تغنم وما أنزله الله إلا تذكرة للبيب كما قال ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب ولا تكن ممن ليس له منه نصيب إلا البلاغ (فصل) في اليوم العقيم والعقيم ما يوجب أن لا يولد منه فلا تكون له ولادة على مثله وسمي عقيما لأنه لا يوم بعده أصلا وهو من يوم الأسبوع يوم السبت وهو يوم الأبد فنهاره نور لأهل الجنة دائم لا يزال أبدا وليلة ظلمة على أهل النار لا يزال أبدا ولهذا يموتون أهل الكبائر فيها الذين يخرجون منها بعد العقوبة إلى الجنة إذ لا خلود في النار إلا لأهلها الذين هم أهلها يقول رسول الله ص أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم الله فيها إماتة الحديث وهو صحيح فينامون فيها نومة حتى لا يحسوا بالنار إذا مستهم عند ما تتسلط على آلات المعاصي بالأكل وهي الجوارح والايمان يمنع من تخلصها إلى القلب فهذه عناية التوحيد الذي كان في قلوبهم فعلم التوحيد يميتهم في النار موتة النائم في حال نومه والايمان على باب النار ينتظرهم حتى إذا بعثهم الله من تلك النومة وهم قد صاروا فحما أخرجهم سبحانه فغمسهم في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة تكون في حميل السيل ثم يدخلون الجنة فلا يبقى في النار من علم إن الله إله واحد في الدنيا جملة واحدة ولأهل الجنة في الجنة مقادير يعرفون بها انتهاء مدة طلوع الشمس إلى غروبها في الدنيا وإن لم يكن في الجنة شمس فالحركة التي كانت تسير بالشمس فيظهر من أجلها طلوعها وغروبها موجودة في الفلك الأطلس الذي على الجنة وهو سقفها والحركة بعينها فيه موجودة ولأهل الجنة كشف ورؤية إلى المقادير التي فيه المعبر عنها بالبروج فإن ذلك الفلك هو السماء الذي أقسم الله به في قوله والسماء ذات البروج فيعلمون بها حد ما كان عليهم في الدنيا مما يسمى بكرة وعشيا وكان لهم في هذا الزمان في الدنيا حالة تسمى الغداء والعشاء فيتذكرونها هنالك فيأتيهم الله عند ذلك برزق يرزقهم فيها كما قال لهم رزقهم فيها بكرة وعشيا وهو رزق خاص في وقت خاص معلوم عندهم وما عدا ذلك فأكلها دائم لا ينقطع والدوام في الأكل إنما هو عين النعيم بما يكون
(٥٦٤)