أنه أدرك الحق بنظره الفكري فأما إن ينفوا ذلك نفيا جملة واحدة وإما أن يجوزوه جملة واحدة وإما أن يقفوا في الحكم فلا يحكمون فيه بإحالة ولا جواز حتى يأتيهم تعريف الحق نصا لا يشكون فيه أو يشهدونه من نفوسهم وأما الذي يزعم أنه يدركه عقلا ولا يدركه بصرا فمتلاعب لا علم له بالعقل ولا بالبصر ولا بالحقائق على ما هي عليه في أنفسها كالمعتزلي فإن هذه رتبته ومن لا يفرق بين الأمور العادية والطبيعية فلا ينبغي أن يتكلم معه في شئ من العلوم ولا سيما علوم الأذواق وما شوق الله عباده إلى رؤيته بكلامه سدى ولولا إن موسى ع فهم من الأمر إذ كلمه الله بارتفاع الوسائط ما جرأه على طلب الرؤية ما فعل فإن سماع كلام الله تعالى بارتفاع الوسائط عين الفهم عنه فلا يفتقر إلى تأويل وفكر في ذلك وإنما يفتقر من كلمه الله بالوسائط من رسول أو كتاب فلما كان عين السمع في هذا المقام عين الفهم سأل الرؤية ليعلم التابع ومن ليست له هذه المنزلة عند الله أن رؤية الله ليست بمحال وقد شهد الله لموسى إنه اصطفاه على الناس برسالاته وبكلامه ثم قال له فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين وهو تعالى يقول ولئن شكرتم لأزيدنكم ولا شك أن موسى قد شكر الله على نعمة الاصطفاء ونعمة الكلام شكرا واجبا مأمورا به فيزيده الله لشكره نعمة رؤيته إياه فهل رآه في وقت سؤاله بالشرط الذي أقامه له كما ورد في نص القرآن أو لم يره والآية محتملة المأخذ فإنه ما نفى زمان الحال عن تعلق الرؤية وإنما نفى الاستقبال بأداة سوف ولا شك أن الله تجلى للجبل وهو محدث وتدكدك الجبل لتجليه فحصل لنا من هذا رؤية الجبل ربه التي أوجبت له التدكدك فقد رآه محدث فما المانع أن رآه موسى ع في حال التدكدك ووقع النفي على الاستقبال ما لذلك مانع لمن عقل ولا سيما وقد قام الصعق لموسى ع مقام التدكدك للجبل ثم لتعلم أنه من أدرك الحق علما لم يفته من العلم الإلهي مسألة ومن رأى الحق ببصره رأى كل نوع من العالم لا يفوته من أنواعه شئ إذا رآه في غير مادة وإذا علمه بصفة إثبات نفسية فإن علمه بصفة تنزيه لم يكن له هذا المقام وإن رآه في مادة لم يكن له هذا المقام وأما من ذهب إلى أن رؤية الحق إنما هي عبارة عن مزيد وضوح في العلم النظري بالله لا غير فهذه قولة من لا علم له بالله من طريق الكشف والتجلي إلا أن يكون قال ذلك لمعنى كان حاضرا من لا ينبغي أن يسمع مثل هذا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الوصل السابع عشر) من خزائن الجود قال بعض السادة في هذه الخزانة إنها تتضمن فناء من لم يكن وبقاء من لم يزل وهذه المسألة تخبط فيها من لم يستحكم كشفه ولا تحقق شهوده فإن من الناس من تلوح له بارقة من مطلوبه فيكتفي بها عن استيفاء الحال واستقصائه فيحكم على هذا المقام بما شاهد منه ظنا منه أو قطعا أنه قد استوفاه وقد رأيت ممن هذه صفته رجالا وقد طرأ مثل هذا السهل بن عبد الله التستري المبرز في هذا الشأن في علم البرزخ فمر عليه لمحة فأحاط علما بما هو الناس عليه في البرزخ ولم يتوقف حتى يرى هل يقع فيما رآه تبديل في أحوال مختلفة على أهله أو يستمرون على حالة واحدة فحكم ببقائهم على حالة واحدة كما رآهم فرؤيته صحيحة صادقة وحكمه بالدوام فيما رآهم عليه إلى يوم البعث ليس بصحيح وأما الذين رأيت أنا من أهل هذه الصفة لما رأيتهم سريعين الرجعة غير ثابتين عند ما يؤخذ عن نفسه سألت واحدا منهم ما الذي يردك بهذه السرعة فقال لي أخاف أن تنعدم عيني لما نراه فيخاف على نفسه ومن تكون هذه حالته فلا تثبت له قدم في تحقيق أمر ولا يكون من الراسخين فيه فلو اقتصروا على ما عاينوه ولم يحكموا لكان أولى بهم فيتخيل الأجنبي إذا سمع مثل هذا من صادق وسمع عدم الثبوت في البرزخ على حالة واحدة إن بين القوم خلافا في مثل هذا وليس بخلاف فإن الراسخ يقول بما شاهده وهو مبلغه من العلم وغير الراسخ يقول أيضا بما شاهده ويزيد في الحكم بالثبوت الذي ذهب إليه ولو أقام قليلا لرأى التغيير والتبديل في البرزخ كما هو في الدنيا فإن الله في كل يوم وهو الزمن الفرد في شأن يقول تعالى يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن والخلق جديد حيث كان دنيا وآخرة وبرزخا فمن المحال بقاء حال على عين نفسين أو زمانين للاتساع الإلهي لبقاء الافتقار على العالم إلى الله فالتغيير له واجب في كل نفس والله خالق فيه في كل نفس فالأحوال متجددة مع الأنفاس على الأعيان وحكم الأعيان يعطي في العين الواحدة بحسب حقائقها أن لو صح وجودها لكانت بهذه الأحوال فمن أصحابنا من يرى أن
(٣٩٥)