وصدقه في أمنه إذا أمنه لعلمه بأنه السيد الوفي الصادق الغني ومهما تهدم شئ من بيت الوجود رمه هذا السيد بيد عبده لأنه آلته في ذلك والمستخدم فعلى يده يكون صلاح ما تهدم منه ويأمره سيده في ذلك إما بمشافهة أو بتبليغ مبلغ يبلغ إليه من السيد بإصلاحه أو صورة حال تعطيه إصلاح ذلك من غير توقف على الأمر الآتي من عند السيد كالرهبانية الحسنة التي ابتدعها من ابتدعها فهو مأجور فيها موافقة بصورة الحال لما في نفس السيد وإن لم يأمر بها في النواميس في أهل الفترات فإن الشرع ما جاء إلا لمصالح الدنيا والآخرة فالآخرة لا تعرف إلا بأخبار خالقها وأنها في حكم العقل ممكنة والدنيا ومصالحها معلومة لأنها واقعة مشهودة فللنظر في مصالحها مجال بخلاف الآخرة فلا تتوقف مصالح الدنيا على ما تتوقف عليه مصالح الآخرة ولهذا ما خلت طائفة من ناموس تكون عليه لأن طلب المصالح ذاتي في الحيوان فكيف في الإنسان صاحب الفكر والرؤية فمن تدبر هذا الوصل رأى عجبا وعلم علما يعطيه الرفعة في الدنيا والآخرة وينضم إليه علم الجمع والفرق الذي في عين الجمع وعلم الأحوال والشؤون وعلم الزمانين وعلم ما يختص بالكون وعلم القلوب التي وسعت الحق جل جلاله وعلم ما يقع به البقاء لهذا الوجود أعني الموجودات كلها وعلم العاقبة وهو وصل شريف إذا صحت عبودة كل عبد * تصح له السيادة في الوجود فيحكم مثل سيده وتبدو * عليه بذاك أعلام المزيد ويخبرنا لسان الحال عنه * بأن الأمر فيه من الشهود له تعنوا لوجوه إذا تبدي * كما عنت الملائك بالسجود فيسمو رفعة ويذل عزا * فيدعي بالمراد وبالمريد (الوصل العاشر من خزائن الجود) وهذا وصل الأذواق وهو العلم بالكيفيات فهي لا تقال إلا بين أربابها إذا اجتمعوا على اصطلاح معين فيها وأما إذا لم يجتمعوا على ذلك فلا تنقال بين الذائقين وهذا لا يكون إلا في العلم بما سوى الله مما لا يدرك إلا ذوقا كالمحسوسات واللذة بها وبما يجده من التلذذ بالعلم المستفاد من النظر الفكري فهذا يمكن فيه الاصطلاح بوجه قريب وأما الذوق الذي يكون في مشاهدة الحق فإنه لا يقع عليه اصطلاح فإنه ذوق الأسرار وهو خارج عن الذوق النظري والحسي فإن الأشياء أعني كل ما سوى الله لها أمثال وأشباه فيمكن الاصطلاح فيها للتفهيم عند كل ذائق له فيها طعم ذوق من أي نوع كان من أنواع الإدراكات والبارئ ليس كمثله شئ فمن المحال أن يضبطه اصطلاح فإن الذي يشهد منه شخص ما هو عين ما شهده شخص آخر جملة واحدة وبهذا يعرفه العارفون فلا يقدر عارف بالأمر أن يوصل إلى عارف آخر ما يشهده من ربه لأن كل واحد من العارفين شهد من لا مثل له ولا يكون التوصيل إلا بالأمثال فلو اشتركا في صورة لاصطلحا عليها بما شاء وإذا قبل ذلك واحد جاز أن يقبل جميع العالم فلا يتجلى في صورة واحدة لشخصين من العارفين ولكن قد رفع الله بعض عباده درجات لم يعطها لغير عباده الذين لم يصح لهم هذه الدرجات وهم العامة من أهل الرؤية فيتجلى لهم في صور الأمثال ولهذا تجتمع الأمة في عقد واحد في الله فيعتقد كل واحد من تلك الطائفة المعينة في الله ما يعتقده الآخر منها كمن اتفق من الأشاعرة والمعتزلة والحنابلة والقدماء فقد اتفقوا على أمر واحد لم تختلف فيه تلك الطائفة فجاز إن يصطلحوا فيما اتفقوا عليه وأما العارفون أهل الله فإنهم علموا إن الله لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين ولا في صورة واحدة مرتين فلم ينضبط لهم الأمر لما كان لكل شخص تجل يخصه ورآه الإنسان من نفسه فإنه إذا تجلى له في صورة ثم تجلى له في صورة غيرها فعلم من هذا التجلي ما لم يعلمه من هذا التجلي الآخر من الحق هكذا دائما في كل تجل علم إن الأمر في نفسه كذلك في حقه وحق غيره فلا يقدر أن يعين في ذلك اصطلاحا تقع به الفائدة بين المتخاطبين فهم يعلمون ولا ينقال ما يعلمون ولا في قوة أصحاب هذا المقام الأبهج الذي لا مقام في الممكنات أعلى منه أن يضع عليه لفظا يدل على ما علمه منه إلا ما أوقعه تعالى وهو قوله عز وجل ليس كمثله شئ فنفى المماثلة فما صورة يتجلى فيها لأحد تماثل صورة أخرى
(٣٨٤)