عرف ربه كذلك من شهد نفسه شهد ربه فانتقل من يقين علم إلى يقين عين فإذا رد إلى ضريحه رد إلى يقين حق من يقين عين لا إلى يقين علم ومن هنا يعلم الإنسان تفرقة الحق بإخباره الصدق بحق اليقين وعين اليقين وعلم اليقين فاستقر عنده كل حكم في رتبته فلم تلتبس عليه الأشياء وعلم أنه لم تكذبه الأنباء فمن عرف الله بهذا الطريق فقد عرف وعلم حكمة تكوين الجوهر في الصدف عن ماء فرات في ملح أجاج فصدفته جسمه وملحه طبيعته ولهذا ظهر حكم الطبيعة على صدفته فإن الملحة البياض وهو بمنزلة النور الذي يكشف به فتحقق بهذا الدليل وعلى الله قصد السبيل (الوصل الرابع عشر) من خزائن الجود يقرع الأسماع ويعطي الاستمتاع ويجمع بين القاع واليفاع لما كان المقصود من العالم الإنسان الكامل كان من العالم أيضا الإنسان الحيوان المشبه للكامل في النشأة الطبيعية وكانت الحقائق التي جمعها الإنسان متبددة في العالم فناداها الحق من جميع العالم فاجتمعت فكان من جمعيتها الإنسان فهو خزانتها فوجوه العالم مصروفة إلى هذه الخزانة الإنسانية لترى ما ظهر عن نداء الحق بجميع هذه الحقائق فرأت صورة منتصبة القامة مستقيمة الحركة معينة الجهات وما رأى أحد من العالم مثل هذه الصورة الإنسانية ومن ذلك الوقت تصورت الأرواح النارية والملائكة في صورة الإنسان وهو قوله تعالى فتمثل لها بشرا سويا وقول رسول الله ص وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فإن الأرواح لا تتشكل إلا فيما تعلمه من الصور ولا تعلم شيئا منها إلا بالشهود فكانت الأرواح تتصور في كل صورة في العالم إلا في صورة الإنسان قبل خلق الإنسان فإن الأرواح وإن كان لها التصور فما لها القوة المصورة كما للإنسان فإن القوة المصورة تابعة للفكرة التي هي صفة للقوة المفكرة فالتصور للأرواح من صفات ذات الأرواح النفسية لا المعنوية لا لقوة مصورة تكون لها إلا أنها وإن كان لها التصور ذاتيا فلا تتصور إلا فيما أدركته من صور العالم الطبيعي ولهذا كان ما فوق الطبيعة من الأرواح لا يقبلون التصور لكونهم لا علم لهم بصور الأشكال الطبيعية وليس إلا النفس والعقل والملائكة المهيمون دنيا وآخرة فما فوق الطبيعة لا يشهدون صور العالم وإن كان بعضهم كالنفس الكلي يعطي الإمداد بذاته لعالم الطبيعة من غير قصد كما تعطي الشمس ضوءها لذاتها من غير قصد منها لمنفعة أو ضرر وهذا معنى الذاتي لها ونسبة العلم والعمل نسبة ذاتية لها لعلمها بنفسها لا بما فوقها من علتها وغيرها وأما عملها فينسب إليها العمل كما ينسب إلى الشمس تبييض الشقة وسواد وجه القصار وكما ينسب إلى النار التسخين والإحراق فيقال بيضت الشمس كذا وأظهرت الشمس كذا وأحرقت النار كذا وأنضجت كذا وسخنت كذا فهكذا هو الأمر في العالم إن كنت ذا لب وفطنة والله بكل شئ عليم وعلى كل شئ قدير ولهذا يتجلى في كل صورة فجميع العالم برز من عدم إلى وجود إلا الإنسان وحده فإنه ظهر من وجود إلى وجود من وجود فرق إلى وجود جمع فتغير عليه الحال من افتراق إلى اجتماع والعالم تغير عليه الحال من عدم إلى وجود فبين الإنسان والعالم ما بين الوجود والعدم ولهذا ليس كمثل الإنسان من العالم شئ فما أنا مخضة الوجود * إلا لكوني من الوجود ليس لأمر على حكم * من عدم يقضي في وجودي فليس لي في الكتاب مثل * إذاقة لذة المزيد لذلك اختص بالسجود * كوني وكونت للسجود اسجد لي الأمر كل كون * إلا الذي قال بالجحود ولما تحلل الجامد تغيرت الصور فتغير الاسم فتغير الحكم ولما تجمد المائع تغيرت الصورة فتغير الاسم فتغير الحكم فنزلت الشرائع تخاطب الأعيان بما هي عليه من الصور والأحوال والأسماء فالعين لا خطاب عليه من ذاته ولا حكم عليه من حقيقته ولهذا كان له المباح من الأحكام المشروعة وفعل الواجب والمندوب والمحظور والمكروه من الملمات الغريبة في وجوده وذلك مما قرن به من الأرواح الطاهرة الملكية وغير الطاهرة الشيطانية فهو يتردد بين ثلاثة أحكام حكم ذاتي له منه عليه وحكمان قرنا به وله القبول والرد بحسب ما سبق به الكتاب وقضى به الخطاب فمنهم شقي وسعيد كما كان من القرباء مقرب وطريد فهو لمن أجاب وعلى الله تبيان الخطاء من الصواب وغاية الأمر أن الله عنده حسن المآب
(٣٩٠)