الله رمى فالعين التي أدركت بها إن الرمي لله غير العين التي أدركت بها إن الرمي لمحمد ص فتعلم إن لك عينين إن كنت صاحب علم فتعلم قطعا إن الرامي هو الله في صورة محمدية جسدية وليس التمثل والتخيل غير هذا فالله قد نبهك وأنت لا تتنبه وهذه هي الآيات التي جعلها الله لقوم يعقلون عنه ويتفكرون فيها وذكرى لمن كان له قلب يتقلب فالقى السمع لما قيل له وعرف به وهو شهيد لتقلبه في نفسه فيعلم إن الأمر كذلك وهؤلاء هم أولو الألباب فإن اللب يحجبه صورة القشر فلا يعلم اللب إلا من علم إن ثم لبا ولولا ذلك ما كسر القشر فقد امتزج الأمر وما اختلطت الحقائق وبذلك يميز الفاضل من المفضول فيتنعم العالم بعلمه به وينعم الجاهل بجهله به ولا يعلم أنه جاهل به لأنه لا يعلم أن الأمر الذي هو على خلاف ما يعلمه أنه على خلاف ما يعلمه بل يقول ما ثم إلا هذا ولو علم إن ثم خلاف ما يعلمه وما أدركه لتنغص كما يتنغص في الدنيا كل متنغص لما فاته مما يقتضيه مقامه من التاجر في تجارته والفقيه في فقهه وكل عالم في طوره فتحقيق قوله عموما كل حزب بما لديهم فرحون إنما ذلك في الآخرة بخلاف الدنيا فإنه لا يعلم في الدنيا بل هو في الكثير من غير عموم فإن الإنسان لا يفرح بما عنده من العلم بما هو به متصور قبل حصوله فإنه منتظر إياه فهو في ألم فإذا حصل عنده أيضا لم يفرح به ومال الكل في الآخرة بعد انقضاء مدة المؤاخذة إلى الفرح بما عنده وبما هو عليه وهذا المنزل هو منزل خلق الله آدم على صورته ومن جعل على صورة أمر ما فكان ذلك الأمر هو عين هذه الصورة فهو هو لا هو وبهذا صح وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فكل ما يظهر من تلك الصورة فأصله ممن هي عليه فلا يصح له أن يبقى عن كل ما يظهر منها ولهذا جاء وإليه يرجع الأمر كله يعني الذي هو عليه العالم بأسره ولهذا وصف الحق نفسه على ألسنة رسله بما وصف به العالم كله قدما بقدم ما اختل شئ من ذلك ولا أخل به فعين الخلق عين الحق فيه * فلا تنكر فإن الكون عينه فإن فرقت فالفرقان باد * وإن لم فاعتبر فالبين بينه ولما قال إنه جعلك على الصورة علم أنه لا بد لك من الدعوى بالملك لما أنت عليه كما أنه ذو ملك وليس لك ملك أقرب من نفسك وهي التي تدعى الملك لأنها على صورة من له الملك فعمد إليها من كونها مؤمنة من اسمه المؤمن فاشترى من المؤمن نفسه فبقي المؤمن لا نفس له كسائر الحيوان فلم يبق من يدعي ملكا فصار الملك لله الواحد القهار وزال الاشتراك فالمؤمن لا نفس له فلا دعوى له في الملك فكل مؤمن ادعى ملكا حقيقة فليس بمؤمن فإن المؤمن من باع نفسه فما بقي له من يدعي لأن نفسه كانت صاحبة الدعوى لكونها على صورة من له الدعوى بالملك حقيقة وهو الله تعالى فاحفظ نفسك يا أخي من دعوى تسلب عنك الايمان فإياك إن تحامي عن نفسك التي كانت لك وإذا عزمت على إن تحامي عنها فحام عنها بحضور وعلم على أنها نفس الحق لا نفسك ومن هناك يحازيك ربك فإنك صادق ومؤثر ودرجة الإيثار قد علمت ما تقتضيه عند الله من الرفعة فاعمل على ذلك فإذا علمت هذا فاعلم إن للإنسان وجهين وجها إلى ذاته ووجها إلى ربه ومع أي وجه توجهت إليه غبت عن الآخر غير إن هنا لطيفة أنبهك عليها وذلك إنك إذا توجهت إلى مشاهدة وجهك غبت من وجه ربك ذي الجلال والإكرام ووجهك هالك فإذا انقلبت إليه فنى عنك وجهك فصرت غريبا في الحضرة تستوحش فيها وتطلب وجهك الذي كنت تأنس به فلا تجده وإن توجهت إلى وجه ربك وتركت وجهك أقبل عليك ولم يكن لك مؤنس سواه ولا مشهود إلا إياه فإذا انقلبت إليه الانقلاب الخاص الذي لا بد لكل إنسان منه وجدت من كان لك قبل هذا الانقلاب أنيسا وجليسا وصاحبا ففرحت بلقائه وعاد الأنس أعظم وتتذكر الأنس الماضي فتزيد أنسا إلى أنس وترى عنده وجه ذاتك ولا تفقده فتجمع بين الوجهين في صورة واحدة فيتحد الأنس لاتحاد الوجهين فيعظم الابتهاج والسرور وهذه حالة برزخية بين حالتين لكونها جمعت بين الطرفين فمن جمع بينهما في الدنيا حرم ذلك في الآخرة كالمنافق فإنه برزخ بين المؤمن والكافر فإذا انقلب تخلص إلى أحد الطرفين وهو طرف الكفر ولم يتخلص للإيمان فلو تخلص هنا إلى الايمان ولم يكن برزخا كان إذا انقلب إلى الله كما ذكرناه من جمعه بين الطرفين فاحذر هنا من صفة النفاق فإنها مهلكة ولها في سوق الآخرة نفاق اقتضى ذلك الموطن وما أخذ المنافق
(٤٧١)