(الباب التاسع والأربعون وثلاثمائة في معرفة منزل فتح الأبواب وغلقها وخلق كل أمة من الحضرة المحمدية) لا ترم شيئا من الأكوان أن لها * نعتا من الحق والأكوان أعلام من غيرة الحق كان الحق أعينها * أتى بذلك قرآن وإلهام لولا افتقاري وذلي ما اجتمعت به * ولا تحقق لي قرب وإلمام في حقه كل موجود سعى ومشى * قضى به في كتاب الله إعلام فكل شئ من الأعيان سبحه * لذاك أوجده والله علام وكل كون من الأكوان مفتقر * في كل حال فلذات وآلام أين الغني وكلام الله أبطله * فما ترى غير فقر فيه إعدام قال الله تعالى والله غني عن العالمين وقال تعالى الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه لما أمركم به من الفحشاء وفضلا لما وعدكم به من الفقر والله غني حميد وقال تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد وقال لأبي يزيد البسطامي يا أبا يزيد تقرب إلي بما ليس لي الذلة والافتقار واعلم أن لله أبوابا فتحها للخير وأبوابا أعدها لم يصل أوان وقت فتحها للخير أيضا وأبوابا فتحها للآلام المعبر عنها بالعذاب لما يؤول إليه أمر أصحابه فيستعذبه في آخر الحال ولذلك سماه عذابا وإنما يستعذ به في آخر الأمر لكونه ذكره بربه فإن الإنسان إذا أصابه الضر وانقطعت به الأسباب وهو أشد العذاب ذكر ربه فرجع إليه مضطرا لا مختارا فيستعذب عند ذلك الأمر الذي رده إلى الله وذكره به وأخرجه عن حكم غفلته ونسيانه فسماه عذابا فهو اسم مبشر لمن حل به بالرحمة إنها تدركه فما ألطف توصيل الحق بشارته لعباده في حال الشدة والرخاء ولولا ذلك ما حقت الكلمة في قوله أفمن حقت عليه كلمة العذاب فأتى بلفظة العذاب ألا ترى إبراهيم الخليل ع يقول يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن والرحمن لا يعطي ألما موجعا إلا أن يكون في طيه رحمة يستعذ بها من قام به ذلك الألم كشرب الدواء الذي يتضمن العافية استعماله ألا تراه كيف قال لأبيه إن الشيطان كان للرحمن عصيا فلو علم إن في الرحمة ما يوجب النقمة لما عصاه فما عصى إلا الرحمن لأن كل اسم يعمل على شاكلته فما أعلم الأنبياء بربهم وأشد الآلام عدم نيل الغرض وقد روينا أن الله يقول للملك لا تقضي حاجة فلان في هذا الوقت فإني أحب أن أسمع صوته وإن كان يتألم ذلك الشخص من فقد ما يسأل فيه ربه فهذا منع مؤلم عن رحمة إلهية ثم إن السور باطنه فيه الرحمة الخالصة وظاهره من قبله العذاب ولم يقل آلام العذاب لعلمه بما يؤول إليه الأمر فأبان تعالى أن باطن هذا الموجود فيه الرحمة والظاهر منه لا يتصرف إلا بحكم الباطن فلا يكون أمر مؤلم في الظاهر إلا عن رحمة في الباطن فإن الحكم للباطن في الظاهر هل تتصرف الجوارح وهي الظاهرة إلا عن قصد الباطن المصرف لها والقصد باطن بلا شك فما كان العذاب في ظاهر السور إلا عن قصد الرحمة به التي في باطن السور فليس الألم بشئ سوى عدم اللذة ونيل الغرض فما عند الله باب يفتح إلا أبواب الرحمة غير أنه ثم رحمة ظاهرة لا ألم فيها وثم رحمة باطنة يكون فيها ألم في الوقت لا غير ثم يظهر حكمها في المال فالآلام عوارض واللذات ثوابت فالعالم مرحوم بالذات متألم بما يعرض له والله عزيز حكيم يضع الأمور مواضعها وينزلها منازلها الإنسان يضرب ابنه أدبا ويؤلمه بذلك الضرب عقوبة لذنبه وهو يرحمه بباطنه فإذا وفي الأمر حقه أظهر له ما في قلبه وباطنه من الرحمة به وشفقة الوالد على ولده ولهذا ورد في الخبر عن رسول الله ص في قصة طويلة يقول فيها وإن الله أشفق على عبده من هذه على ولدها وأشار إلى امرأة وهذا كله من علوم الأذواق جعلنا الله والسامعين من أهل الرحمة الخالصة التي لا ألم لها بمنه واعلم أن الله ما أظهر الممكنات في أعيانها موجودة إلا ليخرجها من شر العدم إذ علم أن الوجود هو الخير المحض الذي لا شر فيه إلا بحكم العرض وهو من كونه ممكنا للعدم نظر إليه وهو الآن موصوف بالوجود فهو في الخير المحض فالذي يناله من حيث هو ممكن من نظر العدم إليه في حال وجوده ذلك القدر يكون الشر الذي يجده العالم حيث وجده فإذا نظر الممكن إلى وجوده وأبده سر لاستصحابه الوجود له وإذا نظر إلى
(٢٠٧)