فنعم أجر العاملين ولا تقنع بعفو الله فتكون ممن نسي الله بل ارغب في إحسانه بأن يزيدك هنا عملا ومراقبة فيزيدك عنده جاها وحرمة وأما قوله تعالى ناهيا إيانا بقوله ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون فأعاد الضمير عليهم فهذا نمط آخر ذكرنا حقيقته في مسألة شرف النفاق وهو النفاق المحمود في المنازل فيما عبر من هذا الكتاب فلنذكر منه ما يليق بهذا الموضع من أجل النسيان وذلك أن الله قال على لسان رسول الله ص من عرف نفسه عرف ربه لما جعلنا دليلا عليه ولا ينبغي أن ننظر في معرفة نفوسنا إلا حتى نريد أن نعرف ربنا فإذا نسينا هذه المعرف فقد نسينا معرفة نفوسنا وهو الباب الواحد الذي كان ينبغي لنا أن نخرج عليه إلى هذه المعرفة فخرجنا على الباب الآخر وهو الذي نخرج منه إلى جهلنا بنفوسنا ولما خلقنا الله على الصورة الإلهية كان في نسياننا الله إن إنسانا الله أنفسنا فنهينا عن ذلك فإنه من نسي نفسه بالضرورة نسي ما لله عليها من الحقوق وما لها من الحقوق فتركوا الله إذا علموا أنهم لا يشهدون من الله ما هو الله عليه وإنما يشهدون من الله أعيانهم وأحوالهم لا غير فلما علم الله هذا من بعض عباده الذين لهم هذا الوصف أنساهم أنفسهم فلم يروا عند شهودهم أن أحوالهم عين ما رأوا فيقولون في ذلك الشهود قال لي الله وقلت له وأين هذا من مقام قولهم لا نرى من الحق إلا ما نحن عليه فلم يكن لهم ذلك إلا من كونه تعالى أنساهم أنفسهم فأولئك هم الفاسقون الخارجون عن طريق ما كانوا تحققوا به من أن الله لا يشهده أحدا لا من حيث حاله وما هو عليه ولما وصف نفسه تعالى بأنه خير الراحمين من باب المفاضلة فمعلوم أنه ما يرحم أحد من المخلوقين أحدا إلا بالرحمة التي أوجدها الرحمن فيه فهي تعالى رحمته لا رحمتهم ظهرت في صورة مخلوق كما قال في سمع الله لمن حمده إن ذلك القول هو قول الله على لسان عبده فقوله تعالى الذي سمعه موسى أتم في الشرف من قوله تعالى على لسان قائل فوقع التفاضل بالمحل الذي سمع منه القول المعلوم أنه قول الله وكذلك أيضا رحمته من حيث ظهورها من مخلوق أدنى من رحمته بعبده في غير صورة مخلوق فتعين التفاضل والأفضلية بالمحال إلا إن رحمة الله بعبده في صورة المخلوق تكون عظيمة فإنه يرحم عن ذوق فيزيل برحمته ما يجده الراحم من الألم في نفسه من هذا المرحوم والحق ليس كذلك فرحمته خالصة لا يعود عليه منها إزالة ألم فهو خير الراحمين فرحمة المخلوق عن شفقة ورحمة الله مطلقة بخلاف بطشه وانتقامه مع شدته ولكن لا يبطش بطشا لا يكون فيه رحمة لأن قصارى الرحمة فيه إيجاده البطش بعبده فوجود البطش رحمة رحم الله بها المبطوش إذ أخرجه من العدم إلى الوجود ومن كان مخلوقا من صفة الرحمة فلا بد أن يكون في بطشه رحمة فجاء أبو يزيد في هذا المقام لما سمع القارئ يقرأ إن بطش ربك لشديد قال أبو يزيد بطشي أشد لأن بطش الإنسان إذا بطش لا يكون في بطشه شئ من الرحمة لأنه لا يتمكن له أن يبطش بأحد وعنده رحمة به جملة واحدة فما يكون ذلك البطش إلا بحسب ما أعطاه محل الباطش وإن كان ذلك البطش خلقا لله ولكن ما خلقه إلا في هذا المحل فظهر بصورة المحل والمحل لا يطلب الانتقام من أحد وفي قلبه رحمة ثم إن الله إذا بطش بعبده ففي بطشه نوع رحمة لأنه عبده بلا شك كما إن المخلوق إذا أراد أن يبطش بعبده لا بد أن يشوب بطشه نوع رحمة للمناسبة التي بينه وبين عبده ومملوكه لأنه المبقي عليه اسم المالك والسيادة فلا يمكن أن يستقصي في بطشه ما يذهب عينه فيكون عند ذلك قد بطش بنفسه والمخلوق ليس كذلك في الأجنبي الذي ليس بينه وبين الباطش نسبة عبودية ولا اكتسب من وجوده صفة سيادة فإذا بطش من هذه صفته بطش ببطش لا تشوبه رحمة فهو سبحانه خير الراحمين وما جاء قط عنه تعالى أنه خير الآخذين ولا الباطشين ولا المنتقمين ولا المعذبين كما جاء خير الفاصلين وخير الغافرين وخير الراحمين وخير الشاكرين وأمثال هذا مع كونه يبطش وينتقم ويأخذ ويهلك ويعذب لا بطريق الأفضلية فتحقق هذا الفاصل بين وصفه بالأخذ والانتقام وبين وصفه بالرحمة والمغفرة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثالث والتسعون وثلاثمائة في معرفة منازلة من وقف عند ما رأى ما هنا له هلك) الخلق تقدير وليس بكائن * والمبدعات هي التي تتكون الروح والكلمات شئ واحد * والحق فيه هو الذي يتعين
(٥٥٣)