طريقنا واعلم يا أخي تولاك الله برحمته إن الجنة التي يصل إليها من هو من أهلها في الآخرة هي مشهودة اليوم لك من حيث محلها لا من حيث صورتها فأنت فيها تتقلب على الحال التي أنت عليها ولا تعلم أنك فيها فإن الصورة تحجبك التي تجلت لك فيها فأهل الكشف الذين أدركوا ما غاب عنه الناس يرون ذلك المحل إن كان جنة روضة خضراء وإن كان جهنما يرونها بحسب ما يكون فيه من نعوت زمهريرها وحرورها وما أعد الله فيها وأكثر أهل الكشف في ابتداء الطريق يرون هذا وقد نبه الشرع على ذلك بقوله بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة فأهل الكشف يرونها روضة كما قال ويرون نهر النيل والفرات وسيحان وجيحان نهر عسل وماء وخمر ولبن كما هو في الجنة فإن النبي ص أخبر أن هذه الأنهار من الجنة ومن لم يكشف الله عن بصره وبقي في عمى حجابه لا يدرك ذلك مثل الأعمى يكون في بستان فما هو غائب عنه بذاته ولا يراه فلم يلزم من كونه لا يراه أنه لا يكون فيه بل هو فيه وكذلك تلك الأماكن التي ذكر رسول الله ص أنها من النار كبطن محسر بمنى وغيره ولهذا شرع الإسراع في الخروج عنه لأمته فإنه ص يرى ما لا يرون ويشهد ما لا يشهدون ومن الناس من يستصحبه هذا الكشف ومنهم من لا يستصحبه على ما قد أراده الله من ذلك لحكمة أخفاها في خلقه ألا ترى أهل الورع إذا حماهم الله عن أكل الحرام من بعض علاماته عندهم إن يتغير في نظره ذلك المطعوم إلى صورة محرمة عليه فيراه دما أو خنزيرا مثلا فيمتنع من أكله فإذا بحث عن كسب ذلك الطعام وجده مكتسبا على غير الطريقة المشروعة في اكتسابه فلأهل الله تعالى أعين يبصرون بها وآذان يسمعون بها وقلوب يعقلون بها وألسنة يتكلمون بها غير ما هي هذه الأعين والآذان والقلوب والألسنة عليه من الصورة فبتلك الأعين يشهدون وبتلك الآذان يسمعون وبتلك القلوب يعقلون وبتلك الألسنة يتكلمون فكلامهم مصيب فإنها لا تعمي الأبصار ولكن تعمي القلوب التي في الصدور عن الحق والأخذ به صم بكم عمي فهم لا يعقلون عن الله فهم لا يرجعون إلى الله ووالله إن عيونهم لفي وجوههم وإن سمعهم لفي آذانهم وإن ألسنتهم لفي أفواههم ولكن العناية ما سبقت لهم ولا الحسنى فالحمد لله شكرا حيث حيانا بتلك القلوب والألسن والآذان والأعين ولقد ورد في حديث نبوي عند أهل الكشف صحيح وإن لم يثبت طريقه عند أهل النقل لضعف الراوي ولو صدق فيه قال قال رسول الله ص لولا تزييد في حديثكم وتمريج في قلوبكم لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع قال الله تعالى لتبين للناس ما نزل إليهم وأكثر من هذا البيان الصريح ما يكون لكن أين من يفرع محله لآثار ربه أين من ينقل ما يسمع من غير زيادة فيه هذا قليل جدا والله ولي التوفيق واعلم أن هذا المنزل يتضمن علم التحليل وعلم ما يحصل لأهل النار في النار من العلوم إذا دخلوها وعلم ما يعطيه عالم الطبيعة من الأسرار الإلهية التي لا تعلم من غيره وعلم السابقة واللاحقة وهي العاقبة وعلم تركيب البراهين الوجودية وعلم الإيجاد الروحاني والصوري وعلم السبب المؤدي إلى الشقاء وعلم ما يبقى به نظام العالم وحفظ صورته عليه وعلم التجلي في الحجاب وعلم الأحكام الإلهية على غير طريق الشارع وعلم توحيد الأفعال وعلم إلحاق الأعالي بالأسافل والأسافل بالأعالي وهو أو قريب منه علم التحام الأباعد بالأداني والأداني بالأباعد والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثالث وثلاثمائة في معرفة منزل العارف الجبرئيلي من الحضرة المحمدية) للشمس في الفلك الأقصى علامات * يدري بذلك أقوام إذا ماتوا تسري به أنفس مثلي مطهرة * لا تنجلي لهم إلا إذا باتوا من الخمور سكارى في محاربهم * وما لهم في وجود السكرنيات فلو أراد زوال السكر صحوهم * تتلى عليهم من القرآن آيات اعلم أيدك الله أن من الأرواح العلوية السماوية المعبر عنها بالملائكة مقدمين لهم أمر مطاع فيمن قدموا عليه من الملأ الأعلى وهم أصحاب أمر لا أصحاب نهي فلا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وقد نبه الله تعالى على إن جبريل ع منهم بقوله مطاع ثم أمين ولا يكون مطاعا إلا من له الأمر فيمن يطيعه فاعلم إن العارف إذا كان يمده من
(١٣)