كل شئ وما ذكر في المشرك إلا كون هذا الذي دعى إليه كبر عليه لأنه دعى من وجه واحد وهو يشهد لكثرة من وجوده الذي جعله الحق دليلا عليه في قوله من عرف نفسه عرف ربه وما عرف نفسه إلا واحدا في كثير أو كثيرا في واحد فلا يعرف ربه إلا بصورة معرفته بنفسه فلذلك كبر عليه دعاء الحق إلى الأحدية دون سائر الوجوه وذلك لأن المشرك ما فهم عن الله مراد الله بذلك الخطاب فلما علم الحق أن ذلك كبر عليه رفق به وجعل الأمر إليه تعالى بين اجتباء وهداية فشرك بالاجتباء والهداية ووحد بإليه في الأمرين رفقا به وأنسا له ليعلم أنه الغفور الرحيم بالمسرفين على أنفسهم ولما رأى إبليس منة الله قد سرت في العالم طمع في رحمة الله من عين المنة لا من عين الوجوب الإلهي فعبده مطلقا لا مقيدا ففي أي وجهة تصرف لم يخرج عن حق كما إن الشرع الذي وصى به من ذكره في هذه الآية متنوع الأحكام ينسخ بعضه بعضا والكل قد أمروا بإقامته وأن لا يتفرق فيه للافتراق الذي فيه فهو يدعو بالكثرة إلى عين واحدة أو بالوحدة إلى حقائق كثيرة كيف شئت فقل ما شئت مما لا يغير المعنى فالكل في حكم الوجود * كالكل في عين الشهود لتعم رحمته الورى * وتبين أعلام الجحود فيكون رحمانا بمن * يدعي الشقي أو السعيد هذا بدار جهنم * هذا بجنات الخلود والله جل بذاته * عن الانحصار عن الحدود وهذا الوصل واسع المجال فيه علم الأوامر المختصة بالشارع وحده وهو الرسول وعلم ما يتقى به من الأسماء الإلهية وعلم مالك الملك ومدلول اسم الإله ونعته بالأحدية في قوله ما من إله إلا إله واحد وإضافته إلى الضمير مثل إلهكم وإلى الظاهر مثل وإله موسى وإله الناس هل الحكم واحد أو يتغير بتغير الإضافة أو بالنعت وعلم الربوبية وكونها لم تأت قط من عند الله من غير تقييد وعلم الإلهام واختلاف الاسم عليه بالطرق التي منها يأتي (الوصل الثاني من هذا الباب) وهو ما يتصل به من المنزل الثاني من المنازل المذكورة في هذا الكتاب وهو يتضمن علوما منها علم الفصل بين ما يقع به الإدراك للأشياء وبين ما لا يدرك به إلا نفسه خاصة وعلم اختزان البزرة والنواة والحبة ما يطهر منها إذا بزرت في الأرض وكيف تدل على علم خروج العالم من الغيب إلى الشهادة لأن البزرة لا تعطي ما اختزن الحق فيها إلا بعد دفنها في الأرض فتنفلق عما اختزنته من ساق وأوراق وبزور أمثالها من النواة نوى ومن الحبة حبوب ومن البزرة بزور فتظهر عينها في كثير مما خرج عنها فتعلم من هذا ما الحبة التي خرج منها العالم وما أعطت بذاتها فيما ظهر من الحبوب ولما ذا يستند ما ظهر منها من سوى أعيان الحبوب فلو لا ما هو مختزن فيها بالقوة ما ظهر بالفعل فاعلم ذلك وهذا كله من خزائن الجود ويتضمن علم الأمر المطلق في قوله اعملوا ما شئتم والمقيد بعمل مخصوص واختلاف الصيغ في ذلك ويتضمن علم إضافة الشرور إلى غير الله لأنها معقولة عند العالم فقال ص والشر ليس إليك فأثبته في عينه ونفى إضافته إلى الحق فدل على إن الشر ليس بشئ وأنه عدم إذ لو كان شيئا لكان بيد الحق فإن بيده ملكوت كل شئ وهو خالق كل شئ وقد بين لك ما خلق بالآلة وبغير الآلة وبكن وبيده وبيديه وبأيد وفصل وأعلم وقدر وأوجد وجمع ووحد فقال إني ونحن وأنا وإنا ولهذا كبر على المشركين فإن معقول نحن ما هو معقول إني وجاء الخطاب بإليه فوحد وما رأوا للجمع عينا فكبر ذلك عليهم ونون العظمة في الواحد قول من لا علم له بالحقائق ولا بلسان العرب ويتضمن علم ظلمة الجهل إذا قامت بالقلب فأعمته عن إدراك الحقائق التي بإدراكها يسمى عالما قال تعالى أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات أراد العلم والجهل وما كل ما يدرك ولا يدرك به يكون ظلمة فإن النور إذا كان أقوى من نور البصر أدركه الإنسان ولم يدرك به ولهذا ذكر رسول الله ص في الله أن حجابه النور فلا يقع الكشف إلا بالنور الذي يوازي نور البصر ألا ترى الخفافيش لا تظهر إلا في النور الموازي نور بصرها وهو نور الشفق ويتضمن علم
(٣٦٩)