ما هو وفرق بينه وبين الصدق وعلم عند ذلك أن الغيبة ليست بحق وأنها صدق ولهذا يسأل الصادق عن صدقه ولا يسأل ذو الحق إذا قام به فالغيبة والنميمة وأشباههما صدق لا حق إذ الحق ما وجب والصدق ما أخبر به على الوجه الذي هو عليه وقد يجب فيكون حقا وقد لا يجب ويكون صدقا لا حقا فلهذا يسأل الصادق عن صدقه إن كان وجب عليه نجا وإن كان لم يجب عليه بل منع من ذلك هلك فيه فمن علم الفرق بين الحق والصدق تعين عليه أن يتكلم في الاستحقاق وفيه علم ما ينتج من ذل لغير الله على إنزاله منه منزلة ربه جهلا منه به فإن ذل للصفة من غير اعتبار المحل كان له في ذلك الذي حكم آخر وفيه علم ما يحكم على الله وهو خير الحاكمين ومن هنا تعلم أن صفاته لو كانت زائدة على ذاته كما يقوله المتكلم من الأشاعرة لحكم على الذات ما هو زائد عليها ولا هو عينها وهذه مسألة زلت فيها أقدام كثيرين من العلماء وأضلهم فيها قياس الشاهد على الغائب أو طرد الدلالة شاهدا وغائبا وهذا غاية الغلط فإن الحكم على المحكوم عليه بأمر ما من غير أن يعلم ذات المحكوم عليه وحقيقته جهل عظيم من الحاكم عليه بذلك فلا تطرد الدلالة في نسبة أمر إلى شئ من غير أن تعرف حقيقة ذلك المنسوب إليه وفيه علم إن الله لا يجوز لأحد من المخلوقين التحكم عليه ولو بلغ من المنزلة ما بلغ إلى أن يأمره بذلك فيحكم عليه بأمره فيما يجوز له أن يوجبه على نفسه إن كان من العالم بخلاف الحق فإن المكلف تحت الحجر فلو أوجب على نفسه فعل ما حرم عليه فعله لم يجز له ذلك وكان كفارة ما أوجبه كفارة يمين فلم يخل عن عقوبة وإن لم يفعل ما أوجبه إذ لم يجز له ذلك ولا كفارة على من أوجب على نفسه فعل ما أبيح له فعله ولا مندوحة له إلا أن يفعله ولا بد وفيه علم المكر الخفي وتعجيل الجزاء عليه وفيه علم موجب الاضطرار في الاختيار وما ينفع الاضطرار وفيه علم الأسباب التي تنسى العالم بأمر ما يقتضيه حكم ذلك العلم من العمل وهي كثيرة وفيه علم الحسرة وهو أن أحد لا يؤاخذه على ما جناه سوى ما جناه فهو الذي آخذ نفسه فلا يلومن إلا نفسه ومن اتقى مثل هذا فقد فاز فوزا عظيما وبهذا تقوم الحجة لله على خلقه وإنه إذا تكرم عليهم بعدم تسليطهم عليهم وعفا وغفر وجب له الثناء بصفة الكرم والإحسان وفيه علم دعوة الله عباده لما ذا يدعوهم هل إلى عمل ما كلفهم أو إلى ما ينتجه عمل ما كلفهم في الدار الآخرة وإن الله ما كلف عباده ولا دعاهم إلى تكليف قط بغير واسطة فإنه بالذات لا يدعو إلى ما فيه مشقة فلهذا اتخذ الرسل عليهم الصلاة والسلام وقال جل ثناؤه وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وفيه علم الجزاء الوفاق وإذا أعطى ما هو خارج عن الجزاء فذلك من الاسم الواهب والوهاب وفيه علم العذاب المتخيل وفيه علم تذكر العالم ما كان نسيه إذ كان لم يعمل به فإن العامل بالعلم هو المنشئ صورته فمن المحال أن ينساه وفيه علم حسن التعليم إذ ما كل معلم يحسن التعليم وفيه علم التأسي بالله كيف يكون وهو المطلق في أفعاله وأنت المقيد وفيه علم البحث والحث على العمل بالأولى والأوجب وفيه علم الفرق بين العلم والظن أعني غلبة الظن وفيه علم العصمة والاعتصام وفيه علم ما يقال للمعاند إذا لم يرجع إلى الحق وهو ما يرجع إلى علم الإنصاف وفيه علم ما يعلم به إن أفعال العباد أفعال الحق لكن تضاف إلى العباد بوجه وإلى الحق بوجه فإن الإضافة في اللسان في اصطلاح النحاة محضة وغير محضة ومن الأفعال ما هي محضة لله إذا أضيفت إليه ومنها غير محضة لما فيها من الاشتراك فلم تخلص فالعبودية لله خالصة ومأمور بتخليصها كما قال تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وهو ما تعبدهم به وقوله قل الله أعبد مخلصا له ديني وهو ما تعبده به في هذا الموضع وقوله إن الله لا يظلم الناس شيئا كلمة تحقيق فإن الناس لا يملكون شيئا حتى يكون ما يأخذ منهم بغير وجه حق غاصبا فكل ما يقال فيه إنه ملك لهم فهو ملك لله ومن ذلك أعمالهم ثم قال ولكن أنفسهم يظلمون فكنى سبحانه عن نفسه بأنفسهم لما وقع الظلم في العالم وقيل به فكأنه قال ولكن نفسه يظلم إن كان هذا ظلما ولا بد والمالك لا يظلم نفسه في ملكه فلو كان ما عند الناس ملك لهم ما حجر الله عليهم التصرف فيه ولا حد لهم فيه حدودا متنوعة فهذا يدلك على إن أفعال المكلف ما هي له وإنما هي لله فالظلم إلى الحقيقة في الناس دعواهم فيما ليس لهم إنه لهم فما عاقبهم الله إلا على الدعوى الكاذبة وفيه علم إدراج الكثير في القليل حتى يقال فيه إنه قليل وهو كثير في نفس الأمر وفيه علم الآجال في الأشياء ومعنى قوله لا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون على تلك الساعة
(٤٦٨)