من الشريك وإذا تبرأ من المشرك فلكونه مشركا لأن متعلقة العدم فإن الخالق لا يتبرأ من المخلوق ولو تبرأ منه من كان يحفظ عليه وجوده ولا وجود للشريك فالشريك معدوم فلا شركة في نفس الأمر فإذا صحت البراءة من الشريك فهي صفة تنزيه وتبرئة لله من الشريك وللرسول من اعتقاد الجهل ووجه آخر في ضعف هذا التأويل الذي ذكرناه وهو أن البسملة موجودة في كل سورة أولها ويل وأين الرحمة من الويل ولهذا كان للقراء في مثل هذه السورة مذهب مستحسن فيمن يثبت البسملة من القراء وفيمن يتركها كقراءة حمزة وفيمن يخير فيها كقراءة ورش والبسملة إثباتها عنده أرجح فأثبتناها عند قراءتنا بحرف حمزة في هذين الموضعين لما فيهما من قبح الوصل بالقراءة وهو أن يقول والأمر يومئذ لله ويل فبسملوا هنا وأما مذهبنا فيه فهو إن يقف على آخر السورة ويقف على آخر البسملة ويبتدئ بالسورة من غير وصل والقراءة في هذا الفصل على أربعة مذاهب المذهب الواحد لا يرونه أصلا وهو أن يصل آخر السورة بالبسملة ويقف ويبتدئ بالسورة هذا لا يرتضيه أحد من القراء العلماء منهم وقد رأيت الأعاجم من الفرس يفعلون مثل هذا مما لا يرتضيه علماء الأداء من القراء والمذهب الحسن الذي ارتضاه الجميع ولا أعرف لهم مخالفا من القراء الوقوف على آخر السورة ووصل البسملة بأول السورة التي يستقبلها والمذهبان الآخران وهما دون هذا في الاستحسان أن يقطع في الجميع أو يصل في الجميع وأجمع الكل أن يبتدئ بالتعوذ والبسملة عند الابتداء بالقراءة في أول السورة وأجمع على قراءة البسملة في الفاتحة جماعة القراء بلا خلاف واختلفوا في سائر سور القرآن ما لم يبتدئ أحد منهم بالسورة فمنهم من خير في ذلك كورش ومنهم من ترك كحمزة ومنهم من بسمل ولم يخير كسائر القراء ولوجه التخيير والترك وعدم الترك لهذه البسملة حكم عجيبة لا يسع الوقت لذكرها ولأنها خارجة عن مقصود هذا الباب وهي آية حيثما وقعت إلا في سورة النمل في كتاب سليمان ع فإنها بعض آية ولا أعلم فيها خلافا فهذا قد أبنت لك عن الميزان العملي والعلمي على التقريب والاختصار فلنبين لك ما يتضمنه هذا المنزل من الأمور التي لم نذكرها مخافة التطويل فاعلم إن هذا المنزل يتضمن علم علل هذه الموازين التي ذكرناها وفيه علم ما يستحقه الرب من التعظيم وفيه علم الآخرة الذي بين الدنيا ونزول الناس في منازلهم من الجنة والنار وفيه علم البعث وفيه علم بعض منازل الأشقياء والسعداء وفيه علم السور وفيه علم الاصطلام وفيه علم مراتب العالم العلوي والسفلي والطبيعي والروحاني وفيه منزل القربة ولنا فيه جزء لطيف وفيه علم المفاضلة وفيه علم موازنة الجزاء وفيه علم التخليص والامتزاج وفيه معرفة الوصف الذي لا ينبغي أن يتصف به نبي وعصمة الولي من ذلك وهو عزيز وفيه علم ما يكره في الدنيا ويمقت فاعله وهو محبوب في الآخرة وهو ذلك الفعل بعينه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثاني وثلاثمائة في معرفة منزل ذهاب العالم الأعلى ووجود العالم الأسفل من الحضرة المحمدية والموسوية والعيسوية) منزل تلقين الحجج * منزل من كان درج * فلا تكن كمثل من * إن فتح الباب خرج والزم وكن كمثل من * إن فتح الباب ولج * من لاذ بالله احتمى * ومن ألح يندرج في كل ما تسأله * من كل ضيق وفرج * قد قيل ذا في مثل * بأن من أدلج حج في مثل هذا يا أخي * تفني النفوس والمهج * كم من لبيب هالك * في بحره وسط اللجج وما على نفس ترى * فيه الهلاك من حرج اعلم أن الغيب ظرف لعالم الشهادة وعالم الشهادة هنا كل موجود سوى الله تعالى مما وجد ولم يوجد أو وجد ثم رد إلى الغيب كالصور والأعراض وهو مشهود لله تعالى ولهذا قلنا إنه عالم الشهادة ولا يزال الحق سبحانه يخرج العالم من الغيب شيئا بعد شئ إلى ما لا يتناهى عددا من أشخاص الأجناس والأنواع ومنها ما يرده إلى غيبة ومنها ما لا يرده أبدا فالذي لا يرده أبدا إلى الغيب كل ذات قائمة بنفسها وليس إلا الجواهر خاصة وكل ما عدا الجواهر من الأجسام والأعراض الكونية واللونية فإنها ترد إلى الغيب ويبرز أمثالها والله يخرجها من الغيب إلى شهادتها
(١٠)