ما كان فلا ينفك صاحب هذه المخالفة من مراقبة العفو أو المؤاخذة على ما قرره عليه واضع ناموسه فقد عمت النواميس جميع الأمم وهو قوله تعالى وإن من أمة إلا خلا فيها نذير فهو إما نذير بأمر الله وإرادته أو نذير بإرادة الله لا بوحي نزل عليه يعلم به أنه من عند الله فأمر الله إنما متعلقة عين إيجاد انذاره فيه فقيل لإنذاره كن في هذا العبد فكان فوجد الإنذار في نفسه ولم يدر من أين جاء فهذا الفرق بين الشرع الإلهي الذي جاءت به الرسل من عند الله وبين ما وضعته حكماء الأعصار لاتباعها لمصالحهم فمن وفى بحق ناموسه واحترمه ووقف عند حده ابتغاء رضوان الله فقد أحسن في عمله وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه أو تعلم أنه يراك فهذا هو الحد الضابط للإحسان في العمل وما عدا هذا فهو سوء عمله فإن كان ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا فلا يخلو إما أن تكون رؤية سوء العمل حسنا بعد اجتهاد يفي بما في وسع ذلك الشخص المجتهد فقد وفى الأمر حقه وهو صاحب عمل حسن ويكون حكم كونه سوء عمل يراه في اجتهاده سوء عين حكم المصيب للحق صاحب الاجرين ويكون هذا المزين له بهذه الصفة صاحب الأجر الواحد وإن لم يكن عن استيفاء الاجتهاد بقدر الوسع ورآه حسنا عن غير اجتهاد فهو في المشيئة فلا يدري بما ختم له ولما ذا يؤول أمره في مدة إقامة الحدود في الدنيا والآخرة فإنه ممن أسرف على نفسه فإن قنط من رحمة الله فما وفى الأمر حقه وساء ظنا بربه والرب عند ظن عبده به وقد نهى الله المسرف على نفسه عن القنوط فهل قنوطه بارتكاب هذا المنهي عنه الآتي بعد حصول إسرافه معتبر له أثر يحول بين المغفرة وبين صاحبه أو حكمه حكم كل إسراف سواه فهذا أيضا ممهل لا يدري ما الأمر فيه إذا أنصف الناظر لأنه قال إن الله يغفر الذنوب جميعا مع ارتفاع القنوط أو مع وجوده إلا المشرك الذي لم يبذل وسع نفسه في طلبه عدم الكثرة في الاسم الإلهي فإنه لا بد من مؤاخذته فتعين على العاقل معرفة المدد الزمانية واختلاف الأزمان والدهور والأعصار وما يجري من ذلك إلى أجل مسمى في الأشخاص المقول عليها إنها أزمان وما يجري منها إلى غير أجل مسمى وما الحق الذي يوجب الشكر وما الحق الذي يوجب الصبر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وأما الايمان فهو أمر عام وكذلك الكفر الذي هو ضده فإن الله قد سمي مؤمنا من آمن بالحق وسمي مؤمنا من آمن بالباطل وسمي كافرا من يكفر بالله وسمي كافرا من يكفر بالطاغوت وبين مال هؤلاء وهؤلاء والطريق التي جاءت ببيانها أيده بالدلالات على صحته أنه من عند الله المرجو في كل ملة ونحلة وعند كل طائفة والأعمال الصالحة رأسها الايمان فهي تابعة له كان الايمان بما كان وما في الأمور الوجودية أغمض من هذه المسألة لأن الله قرن العمل السيئ بالتزيين حتى يراه العامل حسنا فيتخذه صالح عمل وعلى الله قصد السبيل فجاء بالألف واللام للشمول في السبيل فإنها كلها سبل يراها من جاهد في الله فأبان له ذلك الجهاد السبل الإلهية فسلك منها الأسد في نفسه وعذر الخلق فيما هم عليه من السبل وانفرد بالله فهو على نور من الله إذا عرف الله من فعله * فإهماله عين إمهاله فعين تراه بتفصيله * وعين تراه بإجماله فقوم على حكم إحسانه * وقوم على حكم إجلاله فيقبض شخصا بتعريفه * ويبسط شخصا بإهماله فسبحان من حكمه واحد * بإعراضه أو بإقباله وسبحان من عم إحسانه * بإدلاله أو بإدلاله وكل بإعداده قابل * لخسرانه ولإفضاله والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم (الوصل الثالث عشر من خزائن الجود) مال الأمر الرجوع من الكثرة إلى الواحد من مؤمن ومشرك لأن المؤمن الذي يعطي كشف الأمور على ما هي عليه يعطي ذلك وهو قوله تعالى فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد وذلك قبل خروجه من الدنيا فما قبض أحد إلا على كشف حين يقبض فيميل إلى الحق عند ذلك
(٣٨٨)