ألا ترى إلى قوله تعالى لنبيه ص الذي ليس من شأنه ولا من شأن الأنبياء ع إن ينهزم ولا إن يقتل في مصاف لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا فوصفه بالانهزام وقوله صدق ألا ترى ذلك عن رؤيته أجسامهم أليسوا أناسا مثله فما ينهزم إلا من أمر يريد إعدامه ولا يملأ مع شجاعته وحماسته رعبا إلا من شئ يهوله فلو لم ير منهم ما هو أهول مما رآه ليلة إسراءه ما امتلأ رعبا مما رآه وقد رأيناهم وما ملئنا رعبا لأنا ما شهدنا منهم إلا صور أجسامهم فرأيناهم أمثالنا فذلك الذي كان يملؤه رعبا وما ذكر الله إلا رؤية عينهم لأنه قال لو اطلعت عليهم فوصفه بالاطلاع فهم أسفل منه بالمقام ومع هذا كان يولي منهم فرارا خوفا أن يلحق بهم فينزل عن مقامه ويملأ منهم رعبا لئلا يؤثروا فيه كما قلنا من تأثير الأدنى في الأعلى كقوله ص رب ضاحك ملء فيه لا يدري أرضى الله أم أسخطه وقال ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله ومن علم الأمر على هذا حقيق عليه أن يولي فرارا ويملأ رعبا هل رأيتم عاقلا يقف على جرف مهواة إلا ويفر خوفا من السقوط فانظر فيما تحت هذا النعت الذي وصف الله به نبيه لو اطلع على الفتية مع علو رتبتهم وشأنهم فعلوه أعلى ورتبته أسنى فعرفنا بذلك ينهنا على علو رتبة نبينا محمد ص فأعيان الفتية كانت المشهودة لنا ولم نول ولا ملئنا رعبا وأعيان الفتية لو اطلع عليهم نبينا لولى فرارا منهم ولملئ رعبا فانظر إلى ماذا ترجع صور العالم هل لأنفسهم أو لرؤية الناظر وتدبر ما قلناه كما تعلم قطعا إن حبال السحرة وعصيهم في عينها حبال وعصى وفي نظرنا حيات فهي عين الحيات وهي عين العصي والحبال فانظر ما ترى واعلم ما تنظر وكن بحيث تعلم لا بحيث ترى فإن الله ينكر بالرؤية ولا ينكر بالعلم فإذا لم ينكر بالرؤية فبشاهد العلم لم ينكر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب التسعون وثلاثمائة في معرفة منازلة زمان الشئ وجوده إلا أنا فلا زمان لي وإلا أنت فلا زمان لك فأنت زماني وأنا زمانك) إذا قلنا بأن النعت عين * فأين الواحد المنعوت منه وقد جاء الخطاب الحق فينا * أخذناه عن الإرسال منه بأن الله ليس له شريك * ولا مثل ولا يبديه كنه فإن حصلت سر الكون فيه * فكن منه على علم وصنه فمهما قلت ألست أنا بلا هو * فضد القول والتعيين من هو إذا حققت قولي يا قسيمي * علمت فلم تقل من أنت من هو قال الله تعالى حكاية عن قوم يقولون وما يهلكنا إلا الدهر وصدقوا فإنه قد ثبت عن رسول الله ص أن الله هو الدهر فما أهلكهم إلا الله كما هو في نفس الأمر اعلم أن الزمان نسبة لا وجود له في عينه وقد أطال الناس الكلام في ماهيته فخرج من مضمون كلامهم ما ذكرناه من أنه نسبة وأنه يحدث بحدوث السؤال بمتى فيحدث له أسماء بحدوث السؤال مثل حين وإذ وإذا وحروف الشرط كلها أسماء الزمان والمسمى أمر عدمي كلفظة العدم فإنها اسم مسماها لا عين له مع تعقل الحكم له فلنمثل ليفهم ما ذكرناه يقال متى جاء زيد الجواب حين طلعت الشمس مثلا وإذا طلعت الشمس ومتى تطلع الشمس من مغربها حين يأذن الله لها في ذلك وإذا يأذن الله ومهما أذن الله لها طلعت في جواب هل تطلع الشمس من المغرب فيعود مشرقا فيكون هذا وأمثاله جوابه فيعقل منه الزمان إن جاء زيد أكرمتك المعنى حين يجئ زيد أكرمك المعنى زمان مجئ زيد زمان وجوب كرامتك على التي أوجبها على نفسي بمجئ زيد فهو للمحدثات زمان وللقديم أزل ومعقوليته أمر متوهم ممتد لا طرفين له فنحكم عليه بالماضي لما مضى فيه ونحكم عليه بالمستقبل لما يأتي فيه ونحكم عليه بالحال لما هو فيه وهو مسمى الآن والآن وإن كان زمانا فهو حد لما مضى في الزمان ولما استقبل في الزمان كالنقطة تفرض في محيط الدائرة فتعين لها البدء والغاية حيث فرضتها منها فالأزل والأبد عدم طرفي الزمان فلا أول له ولا آخر والدوام له وهو زمان الحال والحال له الدوام فلا يزال العالم في حكم زمان الحال ولا يزال حكم الله
(٥٤٦)