فوقه ثم عرض المسميات على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء الذين توجهتم على إيجادهم أي توجهت الأسماء هل سبحتموني بها وقدستموا لي فإنكم زعمتم أنكم تسبحوني بحمدي وتقدسون إلي فقالت الملائكة لا علم لنا فقال لآدم أنبئهم بأسمائهم فجعله أستاذا لهم فعلمهم الأسماء كلها فعلموا عند ذلك أنه خليفة عن الله في أرضه لا خليفة عن سلف ثم ما زال يتلقاها كامل عن كامل حتى انتهت إلى السيد الأكبر المشهود له بالكمال محمد ص الذي عرف بنبوته وآدم بين الماء والطين فالماء لوجود البنين والطين وجود آدم وأوتي ص جوامع الكلم كما أوتي آدم جميع الأسماء ثم علمه الله الأسماء التي علمها آدم فعلم علم الأولين والآخرين فكان محمد ص أعظم خليفة وأكبر إمام وكانت أمته خير أمة أخرجت للناس وجعل الله ورثته في منازل الأنبياء والرسل فأباح لهم الاجتهاد في الأحكام فهو تشريع عن خبر الشارع فكل مجتهد مصيب كما أنه كل نبي معصوم وتعبدهم الله بذلك ليحصل لهذه الأمة نصيب من التشريع وتثبت لهم فيه قدم فلم يتقدم عليهم سوى نبيهم ص فتحشر علماء هذه الأمة حفاظ الشريعة المحمدية في صفوف الأنبياء لا في صفوف الأمم فهم شهداء على الناس وهذا نص في عدالتهم فما من رسول إلا ولجانبه عالم من علماء هذه الأمة أو اثنان أو ثلاثة أو ما كان وكل عالم منهم فله درجة الأستاذية في علم الرسوم والأحوال والمقامات والمنازل والمنازلات إلى أن ينتهي الأمر في ذلك إلى خاتم الأولياء خاتم المجتهدين المحمديين إلى أن ينتهي إلى الختم العام الذي هو روح الله وكلمته فهو آخر متعلم وآخر أستاذ لمن أخذ عنه ويموت هو وأصحابه من أمة محمد ص في نفس واحد بريح طيبة تأخذهم من تحت آباطهم يجدون لها لذة كلذة الوسنان الذي قد جهده السهر وأتاه النوم في السحر الذي سماه الشارع العسيلة لحلاوته فيجدون للموت لذة لا يقدر قدرها ثم يبقى رعاع كغثاء السيل أشباه البهائم فعليهم تقوم الساعة وكان الروح الأمين جبريل عليه السلام معلم الرسل وأستاذهم فلما أوحى إلى محمد ص كان يعجل بالقرآن قبل أن يقضي إليه وحيه ليعلم الله بالحال أن الله تولى تعليمه من الوجه الخاص الذي لا يشعر به الملك وجعل الله الملك النازل بالوحي صورة حجابية ثم أمره تعالى فيما أوحى إليه لا تحرك به لسانك لتعجل به أدبا مع أستاذه فإنه ص يقول إن الله أدبني فأحسن أدبي وهذا مما يؤيد أن الله تولى تعليمه بنفسه ثم قال مؤيدا أيضا لذلك إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه فما ذكر سوى نفسه وما أضافه إلا إليه ولم يجز لغير الله في هذا التعريف ذكر وبهذا جاء لفظ النبي ص في قوله إن الله أدبني فأحسن أدبي ولم يذكر إلا الله ما تعرض لواسطة ولا لملك فإن الله هكذا عرفنا ثم وجدنا ذلك ساريا في ورثته من العلماء في كل طائفة أعني من علماء الرسوم وعلماء القلوب فرجوع التعليم بالواسطة وغير الواسطة إلى الرب ولذلك قال الملك وما نتنزل إلا بأمر ربك فتبين لك من هذا الوصل صورة التعليم ثم إنه شرع تعالى لكل أستاذ أن لا يرى له مزية على تلميذه وأن لا تغيبه مرتبة الأستاذية عن علمه بنفسه وعبوديته هذا هو الأصل المرجوع إليه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الوصل العشرون) من خزائن الجود وهذه خزانة الأحكام الإلهية والنواميس الوضعية والشرعية وأن لله تعالى في وحيه إلى قلوب عباده بما يشرع في كل أمة طريقين طريقا بإرسال الروح الأمين المسمى جبريل أو من كان من الملائكة إلى عبد من عباد الله فيسمى ذلك العبد لهذا النزول عليه رسولا ونبيا يجب على من بعث إليهم الايمان به وبما جاء به من عند ربه وطريقا آخر على يدي عاقل زمانه يلهمه الله في نفسه وينفث الروح الإلهي القدسي في روعة في حال فترة من الرسل ودرس من السبل فيلهمه الله في ذلك لما ينبغي من المصالح في حقن الدماء وحفظ الأموال والفروج لما ركب الله في النفوس الحيوانية من الغيرة فيمهد لهم طريقة يرجعون بها إذا سلكوا عليها إلى مصالحهم فيأمنون على أهليهم ودمائهم وأموالهم ويحد لهم حدودا في ذلك ويخوفهم ويحذرهم ويرجيهم ويأمرهم بالطاعة لما أمرهم به ونهاهم عنه وأن لا يخالفوه ويعين لهم زواجر من قتل وضرب وغرم ليردع بذلك ما تقع به المفسدة والتشتيت ويرغب في نظم شمل الكلمة وأن الله تعالى يأجره على ذلك في أصحاب الفترات وأما في الأمة التي فيها رسول أو هم تحت خطاب
(٤٠٠)