فعز الأمر أن يدري فيحكي * وجل فليس يضبطه اصطلاح فتجهله العقول إذا تراه * تعبر عنه السنة فصاح من أقوام مقلدة عقولا * لا مكان يكون به الصلاح فهم بالفكر قد جمعوا عليه * على جهل فخانهم الفلاح وقال العارفون بما رأوه * فما اصطلحوا فجاءهم النجاح فليس كمثله في الكون شئ * وليس له بنا إلا السراح فبتقييدنا حكمنا عليه بالإطلاق وأما الأمر في نفسه فغير منعوت بتقييد ولا إطلاق بل وجود عام فهو عين الأشياء وما الأشياء عينه فلا ظهور لشئ لا تكون هويته عين ذلك الشئ فمن كان وجوده بهذه المثابة كيف يقبل الإطلاق أو التقييد هكذا عرفه العارفون فمن أطلقه فما عرفه ومن قيده فقد جهله فالله ليس سواه مشهودا لنا * وهو المنزه والمجمع بيننا فالقيد والإطلاق فيه واحد * وكلاهما حكم عليه له بنا فانظر إليه بعينه إن كنت ذا * لب تجده بالسريرة معلنا هذا هو الحق الصريح لمن يرى * ما قد رأيت مبرهنا ومبينا واعلم أن الله تعالى ما جعل للأرواح أجنحة إلا للملائكة منهم لأنهم السفراء من حضرة الأمر إلى خلقه فلا بد لهم من أسباب يكون لهم بها النزول والعروج فإن موضوع الحكمة يعطي هذا فجعل لهم أجنحة على قدر مراتبهم في الذي يسرون به من حضرة الحق أو يعرجون إليه من حضرة الخلق فهم بين الخلق والأمر يترددون ولذلك قالوا وما نتنزل إلا بأمر ربك فاعلم ذلك فإذا نزلت هذه السفرة على القلوب فإن رأتها قلوبا طاهرة قابلة للخير أعطتها من علم ما جاءت به على قدر ما يسعها استعدادها وإن رأتها قلوبا دنسة ليس فيها خير نهتها عن البقاء على تلك الحال وأمرتها بالطهارة بما نص لها الشارع إن كان في العلم بالله فبالعلم به مما يطلبه الفكر وجاء به الخبر النبوي عن الله وإن كان في الأكوان فبعلم الأحكام واعتقاداتها هذا ويلزمه حكمها في ذلك إذا وجدت القلوب وإذا لم تجدها كقلوب العارفين الذين هم في ليس كمثله شئ فلا تعرف الملائكة أين ذهبوا فهؤلاء هم الذين يأخذون عن الله من الوجه الخاص ما هم عليه من الأحوال فيجهلون ويؤخذ عليهم ما يأتون به ومن هنا أخذ خضر علمه فهؤلاء ينكر عليهم ولا ينكرون على أحد إلا بلسان الشرع فلسان الشرع هو الذي أنكر لا هم كالمسبح بحمد الله فالله هو الذي أثنى على نفسه بما يعلم نفسه عليه فإن قام فضول بالإنسان واستنبط له ثناء لم يجئ بذلك اللفظ خطاب إلهي فما سبحه بحمده بل بما استنبطه من عنده فينقص عن درجة ما ينبغي فقل ما قاله عن نفسه ولا تزد في الرقم وإن كان حسنا فقد أبنت لك ما إذا عملت به كنت من أهل الحق والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الوصل الأحد عشر من خزائن الجود) النار ناران نار الله واللهب * والدار داران دار الفوز والعطب وكلها سبب من كون منشئها * فأجزع من الكون لا تجزع من السبب وخف من العلم إن العلم يحكمه * واجنح إلى السلم لا تجنح إلى الحرب اعلم علمك الله أن النار جاء بها الحق مطلقة مثل قوله تعالى النار بالألف واللام حيث جاءت وجاء بها مضافة فمنها نار أضافها إلى الله مثل قوله نار الله الموقدة ونار أضافها إلى غير الله مثل قوله لهم نار جهنم ثم نعت هذه النار بنعوت وأخبر عنها بأخبار من الوقد والإطباق وغير ذلك وجعل لها حكما في الظاهر فجعلها ظرفا مثل قوله فإن له نار جهنم خالدا فيها فجاء بالظرف وحكما في الباطن وهو أن يكون ظاهر العبد ظرفا لها وهي نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة والأفئدة باطن الإنسان فهي تظهر في فؤاد الإنسان وعن هذه النار الباطنة ظهرت النار الظاهرة والعبد منشأ
(٣٨٥)