صفة الكرم وفيه علم سبب الطلب الإلهي من العباد وفيه علم نتائج الشكر وفيه علم الفرق بين الحلم والعفو وفيه علم ترتيب الأشياء وفيه علم الحجاب الإلهي الأحمى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الأحد والعشرون وثلاثمائة في معرفة منزل من فرق بين عالم الشهادة وعالم الغيب وهو من الحضرة المحمدية) للعقل نور وللإيمان أنوار * إن البصائر للأبصار أبصار العين والسمع والإحساس أجمعه * للعقل في الكسب أعوان وأنصار بالعين تبصر علم الغيب لا بحجى * لا يحجبنك أوهام وأفكار من لم يحصل علوم الغيب عن بصر * فإنها خلف ستر الصون أبكار قالوا اعتبر أن في الأكوان معرفة * الدار تجهل رب الدار يا دار اعلم أيها الولي الحميم أن الوجود مقسم بين عابد ومعبود فالعابد كل ما سوى الله تعالى وهو العالم المعبر عنه والمسمى عبدا والمعبود هو المسمى الله وما في الوجود إلا ما ذكرناه فكل ما سوى الله عبد لله ما خلق ويخلق وفيما ذكرناه أسرار عظيمة تتعلق بباب المعرفة بالله وتوحيده وبمعرفة العالم ورتبته وبين العلماء في هذه المسألة من الخلاف ما لا يرتفع أبدا ولا يتحقق فيه قدم يثبت عليه ولهذا قدر الله السعادة لعباده بالإيمان وفي العلم بتوحيد الله خاصة ما ثم طريق إلى السعادة إلا هذان فالإيمان متعلقة الخبر الذي جاءت به الرسل من عند الله وهو تقليد محض نقبله سواء علمناه أو لم نعلمه والعلم ما أعطاه النظر العقلي أو الكشف الإلهي وإن لم يكن هذا العلم يحصل ضرورة حتى لا تقدح فيه الشبه عند العالم به وإلا فليس بعلم ثم نقول والعالم عالمان ما ثم ثالث عالم يدركه الحس وهو المعبر عنه بالشهادة وعالم لا يدركه الحس وهو المعبر عنه بعالم الغيب فإن كان مغيبا في وقت وظهر في وقت للحس فلا يسمى ذلك غيبا وإنما الغيب ما لا يمكن أن يدركه الحس لكن يعلم بالعقل إما بالدليل القاطع وإما بالخبر الصادق وهو إدراك الايمان فالشهادة مدركها الحس وهو طريق إلى العلم ما هو عين العلم وذلك يختص بكل ما سوى الله ممن له إدراك حسي والغيب مدركه العلم عينه وفيما ذكرناه تاهت العقول وحارت الألباب ثم إن الإنسان إذا دخل هذه الطريقة التي نحن عليها وأراد أن يتميز في علمائها وساداتها فينبغي له أن لا يقيد نفسه إلا بالله وحده وهو التقييد الذاتي له الذي لا يصح له الانفكاك عنه جملة واحدة وهي عبودية لا تقبل الحرية بوجه من الوجوه وملك لا يقبل الزوال وإذا لم يقيد الإنسان نفسه إلا بما هو مقيد به في ذاته وهو كما قلنا تقييده بالله الذي خلقه فقدره ثم السبيل يسره فينبغي له إذ كانت له هذه المرتبة ولا بد أن لا يقف بنفسه إلا في البرزخ وهو المقام المتوهم الذي لا وجود له إلا في الوهم بين عالم الشهادة والغيب بحيث أن لا يخرج شئ من الغيب المغيب الذي يتصف في وقت بالشهادة لا بالغيب الذي لا يستحيل عليه إن يكون شهادة بوجه من الوجوه إلا وهذا الواقف يعلمه فإذا برز إلى عالم الشهادة وأدركه فلا يخلو إما أن يبقى في عالم الشهادة أو لا يبقى كالأعراض فإن لم يبق فلا بد أن يفارق الشهادة وإذا فارق الشهادة فإنه يدخل إلى الغيب الذي لا يمكن أن يدرك أبدا شهادة ولا يكون له رجوع بعد ظهوره إلى الغيب الذي خرج منه لأن مقام الغيب الذي خرج منه هو الغيب الإمكاني والذي انتقل إليه بعد حصوله في الشهادة الغيب المحالي فذلك الغيب المحالي لا يظهر عنه أبدا شئ يتصف بالشهادة ولما لم يكن هذا الذي انتقل إليه يتصف بالشهادة وقتا ما أو حالا ما لذلك دخل في ذلك الغيب ولم يرجع إلى الغيب الذي خرج منه وإذا وقف الإنسان في هذا المقام وتحقق به أخذه الحق وأوقفه بينه وبين كل ما سواه من نفسه ومن غيره أعني من نفس العبد فيرى نفسه وعينه وهو خارج عنها في ذلك المقام الذي أوقفه ويراها مع من سواه من العالم وهو عينه كما رأى آدم نفسه وذريته في قبضة الحق وهو خارج عن قبضة الحق التي رأى نفسه فيها في حال رؤيته نفسه خارجا عنها كما ورد في الخبر الإلهي فإذا وقف في هذا المقام وهو أرفع مقامات الكشف وكل مقام فهو دونه وهذا كان مقام الصديق رضي الله عنه الذي فضل به على من شهد له رسول الله ص أنه فضل عليه إما من الحاضرين أو من الأمة لا يدري أي ذلك أراد ص إلا من جاءه الخبر الصدق في كشفه لا غير فإذا وقف في هذا المقام استشرف على الغيبين الغيب الذي يوجد منه الكائنات والغيب الذي ينتقل إليه بعض الكائنات بعد اتصافها بالشهادة وهذه
(٧٨)