حركاتهم في الدخول إلى الحضرة الإلهية من العالم والخروج منها إلى العالم وممن تمكن في هذا المقام أبو يزيد البسطامي ورأيت فيها علم تشخص العدم حتى يقبل الحكم عليه بما يؤثر فيه الوجود وإن لم يكن كذلك فلا يعقل وصورته صورة تجلى الحق في أي صورة ظهر يحكم عليه بما يحكم به على تلك الصورة التي تجلى فيها ويستلزمه حكمها ومن ذلك نسب إليه تعالى ما نسب من كل ما جاءنا في الكتاب والسنة ولا يلزم التشبيه ورأيت فيها علم الطب الإلهي في الأجسام الطبيعية لا في الأخلاق وقد يكون في الأخلاق فإن مرض النفس بالأخلاق الدنية أعظم من مرض الأجسام الطبيعية ورأيت فيها علم ما لا يتعدى العامل ما يقتضيه طبعه ومزاجه إن كان ذا مزاج فإن كان العامل ممن لا مزاج له فإن عمله بحسب ما هو عليه في ذاته ورأيت فيها علم حكم من يسأل عما يعلم فيجيب أنه لا يعلم فيكون ذلك علما به عند السائل أنه يعلم ما سأله عنه فإن أجابه بما يعلم كما هو الأمر في نفسه وعليه علم أنه لا يعلم المجيب ما سأل عنه السائل ورأيت فيها علم التعاون على حصول العلم إذا وجد هل يحصل به كل علم يتعاون عليه أو يحصل به علم بعض العلوم دون بعض ورأيت فيها علم سبب وضع الشرائع وإرسال الرسل ورأيت فيها علم التحكم على الرسل ما سببه وهل هو محمود أو مذموم أو لا محمود ولا مذموم أو في موطن محمود وفي موطن مذموم ورأيت فيها علم المانع من وقوع الممكنات دفعة واحدة أعني ما وقع منها وهل ذلك ممكن أم لا وفيما يمكن ذلك وفيما لا يمكن والذي يمكن فيه هل وقع أم لا وما ثم إلا جوهر أو عرض حامل ومحمول قائم بنفسه وغير قائم بنفسه فيدخل في ذلك التقسيم الجسم وغيره وهل الجسم مجموع أعراض وصفات والجوهر كذلك أم ليس كذلك ورأيت فيها علم مرتبة التسعة من العدد ورأيت فيها علم تعارض الخصمين ما أداهما إلى المنازعة هل أمر وجودي أو عدمي ورأيت فيها علم الحق المخلوق به ورأيت فيها علم تسمية الاسم الواحد من الأسماء بجميع الأسماء كما ذهب إليه صاحب خلع النعلين أبو القاسم بن قسي رحمه الله في كتاب خلع النعلين ورأيت فيها علم مراتب المحامد وعواقبها والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثامن والستون وثلاثمائة في معرفة منزل الأفعال مثل أتى ولم يأت وحضرة الأمر وحده) إذا كان غير الجنس مثلي في الفصل * فأين امتيازي بالحديث عن النحل أنا ناطق والطير مثلي ناطق * كما جاء في القرآن في سورة النمل فلا تفرحن إلا بما أنت واحد * به فوجود الشكل يأنس بالشكل لقد كان لي شيخ عزير مقدس * يقول بتفضيل الأمور وبالوصل قال الله تعالى وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله وهذا القول لا يكون إلا يوم القيامة فما وقع فعبر بالماضي عن المستقبل لتحقق وقوعه ولا بد وزوال حكم الإمكان فيه إلى حكم الوجوب وكل ما كان بهذه المثابة فحكم الماضي فيه والمستقبل على السواء وسياقه بالماضي آكد في الوقوع وتحققه من بقائه على الاستقبال اعلم يا ولي أسعدك الله بالحق ونطقك به إن جماعة من أهل الله غلطوا في أمر جاء من عند الله تعالى وساعدناهم على غلطهم وما ساعدناهم ولكن مشينا أقوالهم لانتمائهم إلى الله حتى لا ينتمي إليه سبحانه إلا أهل حق وصدق وذلك أن الأمر الذي غلطوا فيه علم الحق المخلوق به وجعلوا هذا المخلوق به عينا موجودة لما سمعوا الله يقول إنه خلق السماوات والأرض بالحق وما أشبه هذه الآيات الواردة في القرآن والباء هنا بمعنى اللام ولهذا قال تعالى في تمام الآية تعالى الله عما يشركون من أجل الباء والأمر في نفسه في حق السماء والأرض وما أنزل ما بينهما حتى يعم الوجود كله مثل قوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون كذلك ما خلق السماوات والأرض إلا بالحق أي للحق فاللام التي نابت الباء هنا منا بها عين اللام التي في قوله ليعبدون فخلق السماوات والأرض للحق والحق أن يعبدوه ولهذا قال تعالى الله عما يشركون والشرك هو الظلم العظيم وما ظهر من موجود إلا من هذا النوع الإنساني وما ذكر الجن معه في الخلق للعبادة إلا لكونه أغواه بالشرك لا أنه أشرك والإنس هو الذي أشرك هذا إذا لم تكن الجن عبارة عن باطن الإنسان فكأنه يقول وما خلقت الجن وهو ما استتر من الإنسان وما بطن منه والإنس وهو ما يبصر منه لظهوره إلا ليعبدون
(٣٥٤)