وفيه علم سبب إدخال الآلام واللذات على الحيوان الطبيعي وعين ما يتألم به حيوان يلتذ به حيوان آخر وفيه علم تأثير الأضعف في الأقوى وأصل ذلك من تأثير النسب في الموجودات وهي أمور عدمية بل لا مؤثر إلا هي وفيه علم من يعلم أنه لا يخبر إلا عن الله ويؤاخذ بما نسب ويهلك وآخر يخبر عن نفسه وينجو وآخر يخبر عن الله وينجو فالهالك من يخبر عن عقد والناجي من يخبر عن ذوق فأهل الأذواق أهل الله والخاصة من أوليائه وفيه علم الانقياد المنجي والانقياد المهلك وفيه علم أشكال العالم وتشكله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع والسبعون وثلاثمائة) في معرفة منزل الرؤية والرؤية وسوابق الأشياء في الحضرة الربية وأن للكفار قدما كما إن للمؤمنين قدما وقدوم كل طائفة على قدمها وآتية بإمامها عدلا وفضلا من الحضرة المحمدية من كان في ظلمة الأكوان كان له * حكم العناية دون الخلق أجمعه ونال كشف غطاء الحس من كتب * وأبصر الكل مفتوحا بموضعه يجري على السنة البيضاء سيرته * يشاهد الحق مربوطا بمهيعه اعلم أيدك الله بالشهود وجعلك من أهل الجمع والوجود إن الله تعالى لما جعل العرش محل أحدية الكلمة وهو الرحمن لا غيره وخلق الكرسي فانقسمت فيه الكلمة إلى أمرين ليخلق من كل شئ زوجين ليكون أحد الزوجين متصفا بالعلو والآخر بالسفل الواحد بالفعل والآخر بالانفعال فظهرت الشفيعة من الكرسي بالفعل وكانت في الكلمة الواحدة بالقوة ليعلم أن الموجود الأول أنه وإن كان واحد العين من حيث ذاته فإن له حكم نسبة إلى ما ظهر من العالم عنه فهو ذات وجودية ونسبة فهذا أصل شفيعة العالم ولا بد من رابط معقول بين الذات والنسبة حتى تقبل الذات هذه النسبة فظهرت الفردية بمعقولية الرابط فكانت الثلاثة أول الأفراد ولا رابع في الأصل فالثلاثة أول الأفراد في العدد إلى ما لا يتناهى والشفيعة المعبر عنها بالاثنين أول الأزواج إلى ما لا يتناهى في العدد فما من شفع إلا ويوتره واحد يكون بذلك فردية ذلك الشفع وما من فرد إلا ويشفعه واحد يكون به شفعية ذلك الفرد فالأمر الذي يشفع الفرد ويفرد الشفع هو الغني الذي له الحكم ولا يحكم عليه ولا يفتقر ويفتقر إليه فتدلت إلى الكرسي القدمان لما انقسمت فيه الكلمة الرحمانية فإن الكرسي نفسه به ظهرت قسمة الكلمة لأنه الثاني بعد العرش المحيط من صور الأجسام الظاهرة في الجوهر الأصل وهما شكلان في الجسم الكل الطبيعي فتدلت إليه القدمان فاستقرت كل قدم في مكان ليس هو المكان الذي استقرت فيه الأخرى وهو منتهى استقرارهما فسمى المكان الواحد جهنما والآخر جنة وليس بعدهما مكان تنتقل إليه هاتان القدمان فهاتان القدمان لا يستمدان إلا من الأصل الذي منه ظهرت وهو الرحمن فلا يعطيان إلا الرحمة فإن النهاية ترجع إلى الأصل بالحكم غير أنه بين البدء والنهاية طريق ميز ذلك الطريق بين البداية والغاية ولولا تلك الطريق ما كان بدء ولا غاية فكان سفرا للأمر النازل بينهن والسفر مظنة التعب والشقاء فهذا سبب ظهور ما ظهر في العالم دنيا وآخرة وبرزخا من الشقاء وعند انتهاء الاستقرار يلقى عصا التسيار وتقع الراحة في دار القرار والبوار فإن قلت فكان ينبغي عند الحلول في الدار الواحدة المسماة نارا أن توجد الراحة وليس الأمر كذلك قلنا صدقت ولكن فإنك نظر وذلك أن المسافرين على نوعين مسافر يكون سفره كإقامة بما هو فيه من الترفه من كونه مخدوما حاصلة له جميع أغراضه في محفة محمول على أعناق الرجال محفوظ من تغير الأهواء فهذا مثله في الوصول إلى المنزل مثل أهل الجنة في الجنة ومسافر يقطع الطريق على قدميه قليل الزاد ضعيف المؤنة إذا وصل إلى المنزل بقيت معه بقية التعب والمشقة زمانا حتى تذهب عنه ثم يجد الراحة فهذا مثل من يتعذب ويشقى في النار التي هي منزله ثم تعمه الرحمة التي وسعت كل شئ ومسافر بينهما ليست له رفاهية صاحب الجنة ولا شظف صاحب النار فهو بين راحة وتعب فهي الطائفة التي تخرج من النار بشفاعة الشافعين وبإخراج أرحم الراحمين وهم على طبقات فلذلك يكون فيهم المتقدم والمتأخر بقدر ما يبقى معهم من التعب فيزول في النار شيئا بعد شئ فإذا انتهت مدته خرج إلى محل الراحة وهو الجنة إما بشفاعة شافع وإما بالإخراج العام وهو إخراج أرحم الراحمين فالأنبياء والمؤمنون يشفعون في أهل الايمان وأهل الايمان طائفتان منهم المؤمن عن نظر وتحصيل
(٤٦٢)