وغير موجود والحد في الحالين على السواء في عينه فإذا ليس وجوده عينه ووجود الرب عينه فينبغي للعبد أن لا يقوم في مقام يشم منه فيه روائح ربوبية فإن ذلك زور وعين جهل وصاحبه ما حصل له مقام العبودة كما هو الأمر في نفسه ولا أزيد من قولي لا تشم فيه رائحة ربوبية إلا عنده في نفسه لا يغفل عن مشاهدة عبودته وأما غيره فقد ينسبون إليه ربوبية لما يرونه عليه من ظهور آثارها فذلك لله لا له وهو في نفسه على خلاف ما يظهر للعالم منه فإن ذلك محال أن لا يظهر للربوبية أثر منها عليه وإذا عرف التلميذ من الشيخ أنه بهذه المثابة فقد فتح الله على ذلك التلميذ بما فيه سعادته فإنه يتجرد إلى جانب الحق تجرد الشيخ فإنه عرف منه واتكل على الله لا عليه وبقي ناظرا في الشيخ ما يجري الله عليه من الحال في حق ذلك التلميذ من نطق بأمر يأمره به أو ينهاه أو بعلم يفيده فيأخذه التلميذ من الله على لسان هذا الشيخ ويعلم التلميذ في نفسه من الشيخ ما يعلمه الشيخ من نفسه أنه محل جريان أحكام الربوبية حتى لو فقد الشيخ لم يقم فقده عند ذلك التلميذ ذلك القيام لعلمه بحال شيخه كأبي بكر الصديق مع رسول الله ص حين مات رسول الله ص فما بقي أحد إلا اضطرب وقال ما لا يمكن أن يسمع وشهد على نفسه في ذلك اليوم بقصوره وعدم معرفته برسوله الذي اتبعه إلا أبا بكر فإنه ما تغير عليه الحال لعلمه بما ثم وما هو الأمر عليه فصعد المنبر وقال قارئا وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم الآية فتراجع من حكم عليه وهمه وعرف الناس حينئذ فضل أبي بكر على الجماعة فاستحق الإمامة والتقديم فما بايعه من بايعه سدا وما تخلف عن بيعته إلا من جهل منه ما جهل أيضا من رسول الله ص أو من كان في محل نظر في ذلك أو متأولا فإنه رضي الله عنه قد شهد له رسول الله ص في حياته بفضله على الجماعة بالسر الذي وقر في صدره فظهر حكم ذلك السر في ذلك اليوم وليس إلا ما ذكرناه وهو استيفاء مقام العبودة بحيث إنه لم يخل منه بشئ في حقه وفي حق رسول الله ص فعلم محمد ص أن أبا بكر الصديق مع من دعاه إليه وهو الله تعالى ليس معه إلا بحكم أنه يرى ما يخاطبه الحق سبحانه به على لسان رسوله ص في كل خطاب يسمعه منه بل من جميع من يخاطبه وقد علمه الحق في نفسه ميزان ما يقبل من خطابه وما يرد ونرجو إن شاء الله أن يكون مقامنا هذا ولا يجعلها دعوى غير صادقة فإني ذقت هذا المقام ذوقا لا مزاج فيه أعرفه من نفسي وما سمعته عن أحد ممن تقدمني بالزمان غير أبي بكر الصديق إلا واحد من الرجال المذكورين في رسالة القشيري فإنه حكي عنه أنه قال لو اجتمع الناس أن ينزلوا نفسي منزلتها مني من الخسة لم يستطيعوا ذلك وهذا ليس إلا لمن ذاق طعم العبودية لغيره لا يكون ولما شهدت لي جماعة أني على قدم أبي بكر الصديق من الصحابة علمت أنه ليس إلا مقام العبودة المحضة لله الحمد والشكر على ذلك فالله يجعل من نظر إلى مرة واحدة من عمره إن يكون هذا نعته في نفسه دنيا وآخرة وكذلك حكى صاحب البياض والسواد في كتابه عن بعض الرجال أنه قال العارف مسود الوجه في الدنيا والآخرة فإن كنى عن نفسه فهو صاحب المقام وإن عثر عليه من غير إن يكون نعته فقد وفى ما خلق الله الإنسان له حقه لأنه قال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون يعني ظاهرا وباطنا فما جعل لهم في الربوبية قدما فهكذا ينبغي أن يكون الإنسان في نفسه فيقوم بحق ما خلق له وإن لم يفعل فهو إنسان حيوان والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الوصل الرابع) من خزائن الجود فيما يناسبه ويتعلق به من المنزل الرابع وقد ذكرنا ما يتضمنه من العلوم في موضعه في الباب الثالث والسبعين ومائتين فاعلم أنه من خزائن الجود ما يجب على الإنسان أن يعلمه ذوقا وهو علم ما يستغني به مما لا يستغني به وذلك أن يعلم أن غاية درجة الغني في العبد أن يستغني بالله عما سواه وليس ذلك عندنا مقاما محمودا في الطريق فإن في ذلك قدرا لما سوى الحق وتميزا عن نفسه وصاحب مقام العبودة يسرى ذوقه في كل ما سوى الله أنه عبد كهو لا فرق ويرى أن كل ما سوى الله محل جريان تعريفات الحق له فيفتقر إلى كل شئ فإنه ما يفتقر إلا إلى الله ولا يرى أن شيئا يفتقر إليه في نفسه وإن أفاد الله الناس على يديه فهو عن ذلك في نفسه بمعزل ويرى
(٣٧٢)