لا يكون الخلق حقا بضرب المثل فما هو موجود بالفرض قد لا يصح أن يكون موجودا بالعين ولو كان عين المشبه ضرب المثل لما كان ضرب مثل إلا بوجه فلا يصح أن يكون هنا ما وقع به التشبيه وضرب المثل موجودا إلا بالفرض فعلمنا بضرب هذا المثل إننا على غاية البعد منه تعالى في غاية القرب أيضا ولهذا قبلنا ضرب المثل فجمعنا بين البعد والقرب وتسمى لنا بالقريب والبعيد فكما هو ليس كمثله شئ هو أقرب من حبل الوريد وهو السميع البصير فهو القريب بالمثل البعيد بالصورة لأن فرض الشئ لا يكون كهو ولا عين الشئ وفي هذا الوصل إفاضة الحاج من عرفة إلى جمع ومن جمع إلى مني فإن إفاضة عرفات ليلا وإفاضة جمع نهار الصائم وإن شئت قلت نهارا من غير إضافة والحج يجمع ذلك كله فقبل تفصيل اليوم الزماني الذي هو الليل والنهار كما إن فيه ما يشوش العقول عن نفوذ نورها إلى رؤية المطلوب وهو حجاب لطيف لقربه من المطلوب فإن الشوق أبرح ما يكون إذا أبصر المحب دار محبوبه قال الشاعر وأبرح ما يكون الشوق يوما * إذا دنت الديار من الديار فمن أعجب الأمور أن بالإنسان استتر الحق فلم يشهد وبالإنسان ظهر حتى عرف فجمع الإنسان بين الحجاب والظهور فهو المظهر الساتر وهو السيف الكهام الباتر يشهد الحق منه ذلك لأنه على ذلك خلقه ويشهد الإنسان من نفسه ذلك لأنه لا يغيب عن نفسه وإنه مريد للاتصال بما قد علم أنه لا يتصل به فهو كالحق في أمره من أراد منه أن يأمره بما لا يقع منه فهو مريد لا مريد فلو لا ما هو الحق صدفة أعياننا ما كنا صدفة عين العلم به وفي الصدف يتكون اللؤلؤ فما تكونا إلا في الوجود وليس الوجود إلا هو ولكنه ستر علينا ستر حفظ ثم أظهرنا ثم تعرف إلينا بنا وأحالنا في المعرفة به علينا فإذا علمنا بنا سترنا على علمنا به فلم يخرج الأمر عن صدف ساتر لؤلؤ ولكن تارة وتارة فذلك التبر ونحن الصدى * وما لنا كون بغير الندا فمن يناديه يكن كأنه * وليس ذاك الكون منه ابتدا لأنه يحدث عن قوله * وقوله كن لا يكون سدى فمنه كنا وبه قد بدا * هذا الذي في عينه قد بدا فهو الندى ليلا كما كنته * كما أنا منه نهارا سدى وإن تشأ عكس الذي قلته * فإنه الليل ونحن الندى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الوصل السادس عشر) من خزائن الجود اعلم أن الله تعالى ما خلق شيئا من الكون إلا حيا ناطقا جمادا كان أو نباتا أو حيوانا في العالم الأعلى والأسفل مصداق ذلك قوله تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما فلم يعجل عليكم بالعقوبة غفورا ساترا تسبيحهم عن سمعكم فكل شئ في عالم الطبيعة جسم متغذ حساس فهو حيوان ناطق بين جلي وخفي في كل فصل فصل من فصول هذا الحد فكل ما نقص منه في حد محدود فذلك النقص هو ما خفي منه في حق بعض الناس وما ظهر منه فهو الجلي ولذلك اختلفت الحدود في الجماد والنبات والحيوان والإنسان والكل عند أهل الكشف حيوان ناطق مسبح بحمد الله تعالى ولما كان الأمر هكذا جاز بل وقع وصح أن يخاطب الحق جميع الموجودات ويوحي إليها من سماء وأرض وجبال وشجر وغير ذلك من الموجودات ووصفها بالطاعة لما أمرها به وبالإباية لقبول عرضه وأسجد له كل شئ لأنه تجلى لكل شئ وأوحى إلى كل شئ بما خاطب ذلك الشئ به فقال للسماء والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فأوحى في كل سماء أمرها والأرض كذلك أوحى لها وأوحى ربك إلى النحل وأوحينا إليك يعني محمدا بالخطاب ص روحا من أمرنا فعم وحيه الجميع ولكن بقي من يطيع ومن لا يطيع وكيف فضل السميع للسميع فمن أعجب الأشياء وصف السامع بالصمم والبصير بالعمى والمتكلم بالبكم فما عقل ولا رجع وإن فهم فالجحد من صفة النفوس إذا أبت * كالنار تحرق بالقبول وإن خبت
(٣٩٣)