البأس من الكفار إن الايمان لا يرفع نزول البأس بهم مع قبول الله إيمانهم في الدار الآخرة فيلقونه ولا ذنب لهم فإنهم ربما لو عاشوا بعد ذلك اكتسبوا أوزارا أيها الخلق المسوى * كم تنادي كم تلوى * فلتبادر قبل يوم * ود فيه لو تسوي بهم الأرض رجال * كغثاء كان أحوى * خلق الرحمن خلقا * مثل ما قال فسوى ثم أعطاه اقتدارا * فسطا فكان أقوى * قال كن لكل شئ * لم يكن وكان بلوى وإذا كان الحق يقول عن نفسه إنه خلق فسوى وقدر فهدى فما لك لا تسبح اسم ربك الأعلى جعلنا الله ممن قيده الحق به ورزقه الوقوف عند حدوده ومراسمه في الآخرة والأولى فانظر يا أخي ما أعطت عناية هذه المعية الإلهية في قوله وهو معكم أينما كنتم فهو معنا بهويته وهو معنا بأسمائه فهل ترى عين العارف كونا من الأكوان وعينا من الأعيان لا يكون الحق معه فالله يغفر للجميع بالواحد فكيف لا يغفر للواحد بالجميع فما من إنسان إلا وجميع أجزائه مسبحة بحمد الله ولا قوة من قواه إلا وهي ناطقة بالثناء على الله حتى النفس الناطقة المكلفة من حيث خلقها وعينها كسائر جسدها الذي هو ملكها مسبحة أيضا لله فما عصى وخالف الأمر واحد من هذه الجملة المعبر عنها بالإنسان أفترى الله لا يقبل طاعة هذه الجملة في معصية ذلك الواحد هيهات وأين الكرم إلا هنا يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم فيقول كرمك فهذا تنبيه من الله لعبده أن يقول كرمك كما يفعله الحاكم المؤمن العالم إذ يقول للسارق والزاني قل لا زنيت أو قل لا سرقت أو قل لا لعلمه أنه إذا اعترف أقام عليه حدا فربما يكون الزاني يدهش بين يدي الحاكم فينبهه ليقول بهذه المقالة لا فيدرأ عنه الحد بذلك والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السابع والثمانون وثلاثمائة في معرفة منازل التواضع الكبريائي) من هاله ما هو من جنسه * فهو جهول ضل عن نفسه لو أنه يعرف أوصافه * ما هاله ما هو من جنسه وكل ما في الجود فيه فمن * دجى الليالي وسنا شمسه وكل ما في الكون فيه فمن * نزوله الأدنى ومن قدسه وانظر فأنت الأمر فأثبت على * علم ولا تنظر إلى حدسه قال تبارك وتعالى ليس كمثله شئ وقال وما قدروا الله حق قدره وقال تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وقال وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم وقال والله غني عن العالمين ومع هذا كله فهو القائل في الصحيح من الأخبار عنه مرضت فلم تعدني وجعت فلم تطعمني وظمأت فلم تسقني يقول مثل هذا القول لعبده فأنزل نفسه هنا منزلة عباده وأين ذلك الكبرياء من هذا النزول وثبت في الصحيح أن الله يعجب من الشاب ليست له صبوة وثبت أن الله أفرح بتوبة عبده من فرح صاحب الناقة التي عليها طعامه وشرابه إذا وجدها بعد ما ضلت وهو في فلاة من الأرض منقطعة وأيقن بالموت ففرح بها فالله أفرح بتوبة عبده من هذا بناقته وثبت عنه أنه تعالى يتبشبش للذي يأتي المسجد كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا ورد عليهم وأين هذا كله من قوله تعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين وما قدروا الله حق قدره فأين هذا النزول من هذه الرفعة فهذا هو التواضع الكبريائي وكل حق وقول صدق وحكم صحيح لمن كشف الله عن بصيرته من علماء عباده فأراه الحق حقا وأراه الباطل باطلا وهنا تعلقت الرؤية بالمعدوم فإن الباطل عدم وإذا كان العبد يتصف برؤية المعدوم فالحق أولى بهذه الصفة أنه يرانا في حال عدمنا رؤية عين وبصر لا رؤية علم وأما قوله ليس كمثله شئ فهو على الصحيح من الفهم معنى قوله ص إن الله خلق آدم على صورته في بعض وجوه محتملات هذا الخبر وقوله تعالى لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم فما ذاك إلا لخلقه على صورة الحق وإنما رده إلى أسفل سافلين ليجمع له كمال الصورة بالأوصاف كما ذكر عن نفسه أنه عليه فإن اتصافه بنفي المثل عن نفسه من اتصافه بالحد والمقدار
(٥٣٤)