العلماء بالله انقسموا على أربعة أقسام لا خامس لها فمنهم من أخذ العلم بالله من الله من غير دليل ظاهر ولا شبهة باطنة ومنهم من أخذه بدليل ظاهر وشبهة باطنة وهم أهل الأنوار والطائفة الأولى هم أهل الالتذاذ بالعلوم والقسم الثالث هم الراسخون في العلم ولهم في علمهم بالله ميل إلى خلق الله ليروا ما قبل الخلق من صورة الحق لا شبهة لهم في علمهم بالله ولا بالخلق وهم أهل الأسرار وعلم الغيوب وكنوز المعارف والعلوم والثبات في حال الأمور المزلزلة أكبر العقول عما عقدت عليه والقسم الرابع هم أهل الجمع والوجود والإحاطة بحقيقة كل معلوم فلا يغيب عنهم وجه فيما علموه ولهم التصريف بذلك العلم في العالم حيث شاءوا ولهم الأمان فلا أثر لشبهة قادحة في علمهم وهم أيضا من أهل الأسرار وما عدا هؤلاء العلماء فخلق من خلق الله يتصرفون فيما يصرفون مجبورون في اختيارهم من كان منهم من أهل الاختيار والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الوصل الأحد والعشرون) من خزائن الجود وهذه خزانة إظهار خفي المنن التي لأهل الله في الورود والصدور ووضع الآصار والأغلال والأعباء والأثقال ولها رجال أي رجال ولهم مشاهد راحة عند حط الرحال وهم البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه بالغدو والآصال ومن هذه الخزانة يعلم إحاطة الرحمة بجميع الأعمال في الأحوال والأقوال والأفعال وما ينبغي للعبد أن يكون عليه من التوجه إلى ربه والإقبال والفراع إليه تعالى من جميع ما يشغل عنه من الأشغال فهي خزانة الكرم ومعدن الهمم وقابلة أعذار الأمم وناطقة بكل طريق هو العالم عليه بأنه هو الطريق الأقوم فأقول والله الموفق للصواب مترجما عن هذه الخزانة بما كشفه لنا الجود الإلهي والكرم اعلم أن كل موجود من العالم في مقامه الذي فطره الله عليه لا يرتقى عنه ولا ينزل قد أمن من التبديل والتحويل سنة الله التي قد خلت في عباده فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا فيئس من الزيادة التي طلبها من لا علم له بما أشرنا إليه وصار الأمر مثل الأجل المسمى بالإنسان فإنه في ترق دائم أبدا شقيه وسعيدة فأما السعيد فمعلوم عند جميع الطوائف وأما ارتقاء الشقي في العلم بالله فلا يعرفه إلا أهل الله والشقي لا يعرف أنه كان في ترق في أسباب شقائه حتى تعمه الرحمة ويحكم فيه الكرم الإلهي ويفتح له الفتح في المال فيعرف عند ذلك ما ترقي فيه من العلم بالله في تلك المخالفات التي شقي بها فيحمد الله عليها وقد أعطى الله منها أنموذجا في الدنيا فيمن تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ومعنى ذلك أنه كان يريه عين ما كان يراه سيئة حسنة وقد كان حسنها غائبا عنه بحكم الشرع فلما وصل إلى موضع ارتفاع الأحكام وهو الدار الآخرة رأى عند كشف الغطاء حسن ما في الأعمال كلها لأنه ينكشف له أن العامل هو الله لا غيره فهي أعماله تعالى وأعماله كلها كاملة الحسن لا نقص فيها ولا قبح فإن السوء والقبح الذي كان ينسب إليها إنما كان ذلك بمخالفة حكم الله لا أعيانها فكل من كشف الغطاء عن بصيرته وبصره متى كان رأى ما ذكرناه ويختلف زمان الكشف فمن الناس من يرى ذلك في الدنيا وهم الذين يقولون أفعال الله كلها حسنة ولا فاعل إلا الله وليس للعبد فعل إلا الكسب المضاف إليه وهو عبارة عما له في ذلك العمل من الاختيار وأما القدرة الحادثة فلا أثر لها عندهم في شئ فإنها لا تتعدى محلها وأما العارفون من أهل الله فلا يرون أن ثم قدرة حادثة أصلا يكون عنها فعل في شئ وإنما وقع التكليف والخطاب من اسم إلهي على اسم إلهي في محل عبد كياني فسمى العبد مكلفا وذلك الخطاب تكليفا وأما الذين يقولون إن الأفعال الصادرة من الخلق هي خلق لهم كالمعتزلة فعند كشف الغطاء يتبين لهم ما هو الأمر عليه فأما لهم وإما عليهم ومنهم من يكون له الكشف عند الموت وفي القيامة عند كشف الساق والتفاف الساق بالساق وبعد نفوذ الحكم بالعقاب فينكشف لهم نسبة تلك الأعمال إلى الله فللانسان وحده ورود على الله وصدور عن الله هو عين وروده على الله من طريق آخر غير الورود الأول فهو بين إقبال على الله للاستفادة وصدور عن الله بالإفادة وهذا الصدور هو عين الإقبال على الله لاستفادة أخرى وأكثر ما يكون الفتح في الصدور عن الله من حيث ما هو عين إقبال على الله فهو ممن يرى الحق في الخلق فمن ثقل عليه من أهل الله رؤية الحق في الخلق لما فيه من بعد المناسبة التي بين الواجب الوجود بالذات وبين الواجب الوجود بالغير فإذا كان ذوق هذا العبد هذا الشهود أراه الحق عين ما ثقل عليه
(٤٠٣)