نظر فيلحق بمعلمه وأما صاحب إلقاء إلهي فيلحق بمعلمه ولا سيما في العلم الإلهي الذي لا يعلم في الحقيقة إلا بإعلامه فإنه يعز أن يدرك بالإعلام الإلهي فكيف بالنظر الفكري ولذلك نهى رسول الله ص عن التفكر في ذات الله وقد غفل الناس عن هذا القدر فما منهم من سلم من التفكر فيها والحكم عليها من حيث الفكر وليس لأبي حامد الغزالي عند نازلة بحمد الله أكبر من هذه فإنه تكلم في ذات الله من حيث النظر الفكري في المضنون به على غير أهله وفي غيره ولذلك أخطأ في كل ما قاله وما أصاب وجاء أبو حامد وأمثاله في ذلك بأقصى غايات الجهل وبأبلغ مناقضة لما أعلمنا الله به من ذلك واحتاجوا لما أعطاهم الفكر خلاف ما وقع به الإعلام الإلهي إلى تأويل بعيد لينصروا جانب الفكر على جانب إعلام الله عن نفسه ما ينبغي أن ينسب إليه وكيف ينبغي أن ينسب إليه تعالى فما رأيت أحدا وقف موقف أدب في ذلك إلا خاض فيه على عماية إلا القليل من أهل الله لما سمعوا ما جاءت به رسله صلوات الله عليهم فيما وصف به نفسه وكلوا علم ذلك إليه ولم يتأولوا حتى أعطاهم الله الفهم فيه بإعلام آخر أنزله في قلوبهم فكانت المسألة منه تعالى وشرحها منه تعالى فعرفوه به لا بنظرهم فالله يجعلنا من الأدباء الأمناء الأتقياء الأبرياء الأخفياء الذين اصطفاهم الحق لنفسه وخبأهم في خزائن العادات في أحوالهم وفيه علم قول المبلغ عن الله تعالى قولا بلغه عن الله لو قاله عن نفسه على مجرى العرف فيه لكان رادا على نفسه بما ادعاه أنه جاء به من عند الله فلما قاله عن أمر الله عرف بالأمر الإلهي معنى ذلك وهو قول الإنسان إذا أمر بالخير أحدا من خلق الله من سلطان أو غيره فيجني عليه ذلك الأمر بالخير ممن أمره به ضرارا في نفسه إما نفسيا وإما حسيا أو المجموع فإن الراد له والضار عليه استهان بالله وهو أشد ما يمشي على الداعي إلى الله لأنه على بصيرة من الله فيما دعا إليه من الخير فيقول عند ذلك ليتني ما دعوته إلى شئ من هذا لما طرأ عليه من الضرر في ذلك فهي مزلة العارفين إذا قالوا مثل ذلك فإن الله يقول وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فإذا قالها العبد عن أمر الله مثل قوله تعالى إذ قال لنبيه ع قل فأمره لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به ولكنه شاء فتلوته عليكم وأدراكم به يقول فهمكم إياه فعلمتهم أنه الحق كما قال وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم فإذا قالها الوارث أو من قالها على هذا الحد فهو معرف معلم ما هو الأمر عليه ولهذا أمر الله بقول مثل هذا وكثير ما يقع من الناس العتب على أهل الله إذا أمروا بخير يعقبهم ذلك ضررا في أنفسهم محسوسا وذلك لا يقع من مؤمن ولا من قائل عن كشف فإن الرسول ع قيل له ما عليك إلا البلاغ وقيل له بلغ ما أنزل إليك وكذلك يجب على الوارث فكيف يصح منه الندم على فعل ما يجب عليه فعله لضرر قام به أو شفقة على من لم يسمع حيث زاد في شقائه لما أعلمه حين لم يصغ إلى ذلك وهذا كله حديث نفس والدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم فلا يصرفنك عن ذلك صارف ولقد رأيت قوما ممن يدعي أنه من أهل هذا الشأن إذا رد عليهم في وجوههم ما جاءوا به عن الحق انقبضوا وقالوا فضولنا أدانا إلى ذلك ولو شاء الله ما تكلمنا بشئ من هذا مع مثال هؤلاء ونحن جنينا على أنفسنا وقد تبنا وما نرجع نقول مثل هذا القول عند أمثال هؤلاء ويظهرون الندم على ذلك وهذا كله جهل منهم بالأمر ودليل قاطع على أنه ليس بمخبر عن الله ولا أوصل شيئا من ذلك عن إذن إلهي في ذلك فإن المخبر عن الله لا يرى في باطنه إلا النور الساطع سواء قبل قوله أو رد أو أوذي والمتكلم عن نفسه وإن قال الحق أعقبه إذا رد عليه ندم وضيق وحرج في نفسه وجعل كلامه فضولا فرد الحق الواجب فضولا فهذا جهل على جهل فالنصيحة لعباد الله واجبة على كل مؤمن بالله ولا يبالي ما يطرأ عليه من الذي ينصحه من الضرر فإن الله يقول في الورثة ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس وهذا القول عطف على قوله ويقتلون النبيين بغير حق ذكر ذلك في معرض الثناء عليهم وذم الذين لم يصغوا إلى ما بلغ الرسول ولا الوارث إليهم وأية فرحة أعظم ممن يفرح بثناء الله عليه قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون وفيه علم الصفات التي يتميز بها أهل الاستحقاق حتى يوفيهم حقوقهم من تعين ذلك عليه ومن الحقوق من يقتضي الثناء الجميل على من لا يوفيه حقه من ذلك كالمجرم المستحق للعذاب بأجرامه فيعفى عنه فهذا حق قد أبطل وهو محمود كما إن الغيبة حق وهي مذمومة ومن عرف هذا عرف الحق
(٤٦٧)