والقهار من حيث إن أسماء التقابل له كثيرة كما ذكرناها من المحيي والمميت والضار والنافع وما أشبه ذلك ومن هاتين القدمين ظهر في النبوة المبعوث وغير المبعوث وفي المؤمنين المؤمن عن نظر وعن غير نظر فحكمهما سار في العالم فقد بان لك الأمر فلا ينهتك الستر كما يحكمك الشفع كذا يحكمك الوتر وأما معرفة الحجاب والرؤية وهما من أحكام القدمين وإن كان حكم الرؤية باقيا إلا أن متعلقها الحجاب فهي ترى الحجاب فما زال حكمها فما ثم قاهر لها ولا مضاد إلا أن الرائي له عرض في متعلق خاص إذا لم تتعلق رؤيته به هناك يظهر حكم الحجاب فالغرض هو المقهور لا الرؤية فمن أراد أن يزول عنه حكم القهر فليصحب الله بلا غرض ولا تشوف بل ينظر كل ما وقع في العالم وفي نفسه يجعله كالمراد له فيلتذ به ويتلقاه بالقبول والبشر والرضي فلا يزال من هذه حاله مقيما في النعيم الدائم لا يتصف بالذلة ولا بأنه مقهور فتدركه الآلام لذلك وعزيز صاحب هذا المقام وما رأيت له ذائقا لأنه يجهل الطريق إليه فإن الإنسان لا يخلو نفسا واحدا عن طلب يقوم به لأمر ما وإذا كانت حقيقة الإنسان ظهور الطلب فيه فليجعل متعلق طلبه مجهولا غير معين إلا من جهة واحدة وهو أن يكون متعلق طلبه ما يحدثه الله في العالم في نفسه أو في غيره فما وقعت عليه عينه أو تعلق به سمعه أو وجده في نفسه أو عامله به أحد فليكن ذلك عين مطلوبه المجهول قد عينه له الوقوع فيكون قد وفي حقيقة كونه طالبا وتحصل له اللذة بكل واقع منه أو فيه أو من غيره أو في غيره فإن اقتضى ذلك الواقع التغيير له تغير لطلب الحق منه التغير وهو طالب الواقع والتغير هو الواقع وليس بمقهور فيه بل هو ملتذ في تغييره كما هو ملتذ في الموت للتغير وما ثم طريق إلى تحصيل هذا المقام إلا ما ذكرناه فلا نقل كما قال من جهل الأمر فطلب المحال فقال أريد أن لا أريد وإنما الطلب الصحيح الذي تعطيه حقيقة الإنسان أن يقول أريد ما تريد وأما طريقتها في العموم فسهل على أهل الله وذلك أن الإنسان لا يخلوا من حالة يكون عليها ويقوم فيها عن إرادة منه وعن كره بأن يقام فيها من غير إرادة ولا بد أن يحكم لتلك الحال حكم شرعي يتعلق بها فيقف عند حكم الشرع فيريد ما أراده الشرع فيتصف بالإرادة لما أراد الشرع خاصة فلا يبقى له غرض في مراد معين وكذلك من قال إن العبد ينبغي أن يكون مع الله بغير إرادة لا يصح وإنما يصح لو قال إن العبد من يكون متعلق إرادته ما يريد الحق به إذ لا يخلو عن إرادة فمن طلب رؤية الحق عن أمر الحق فهو عبد ممتثل أمر سيده ومن طلب رؤية الحق عن غير أمر الحق فلا بد أن يتألم إذا لم يقع له وجدان لما تعلقت به إرادته فهو الجاني على نفسه فإن خالق الأشياء والمرادات والحوادث يحكم ولا يحكم عليه فليكن العبد معه على ما يريده فإنه يجوز بهذا الراحة المعجلة في الدنيا وقد ورد في الأخبار الإلهية يا عبدي أريد وتريد ولا يكون إلا ما أريد فهذا تنبيه على دواء إذا استعمله الإنسان زال عنه الألم الذي ذكرناه ولذلك ورد في الإلهيات عن كعب الأحبار أن الله تعالى يقول يا ابن آدم إن رضيت بما قسمت لك أرحت قلبك وبدنك وهو موضع إرادة العبد وأنت محمود وإن لم ترض بما قسمت لك سلطت عليك الدنيا حتى تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم وعزتي وجلالي لا تنال منها إلا ما قدرت لك وأنت مذموم وهذا أيضا دواء وأما قوله تعالى وما تشاءون إلا أن يشاء الله فهو عزاء أفاد علما ليثبت به العبد في القيامة حكما فهو تلقين حجة ورحمة من الله وفضل واعلم أنه كل ما ينال بسعاية فليس فيه امتنان والطلب سعاية والرؤية امتنان فلا يصح أن يطلب فإذا وقع ما وقع من الرؤية عن طلب فليست هي الرؤية على الحقيقة الحاصلة عن الطلب فإن مطلوبه من المرئي أن يراه إنما هو أن يراه على ما هو له وهو لا يتجلى له إلا في صورة علمه به لأنه إن لم يكن كذلك أنكره فما تجلى له إلا في غير ما طلب فكانت الرؤية إحسانا فإنه ما جاءه عين ما طلب وهو يتخيل أن ذلك عين ما طلب وليس هو فإذا وقع له الالتذاذ بما رآه وتخيل أنه مطلوبه تجلى له بعد ذلك من غير طلب فكان ذلك التجلي أيضا امتنانا إلهيا أعطاه من العلم به ما لم يكن عنده ولا خطر على باله فإذا فهمت ما ذكرته لك علمت أن رؤية الله لا تكون بطلب ولا تنال جزاء كما تنال النعم بالجنان وهذه مسألة ما في علمي أن أحدا نبه عليها من خلق الله إلا الله مع أن رجال الله يعلمونها وما نبهوا عليها لتخيلهم إن هذه المسألة قريبة المأخذ سهلة المتناول أو وقوعها من المحال لا بد من أحد الحكمين فإن الله ما سوى بين الخلق في العلم به فلا بد من التفاضل في ذلك بين عباد الله فإن المعتزلي يمنع الرؤية والأشعري يجوزها عقلا
(٤٦٤)