وإطلاقه بالقول وفيه علم ما يظهر في الوجود إنه معلوم وظاهر عن علم متعلق به أوجب له ذلك الظهور وفيه علم كون الإنسان مع علمه أن الله لا يتقيد بالجهات وهو أقرب من حبل الوريد وهو مع هذا كله يتوهم فيه جهة الفوق والتحديد لا تعطيه نشأته أن يخلو عن حكم الوهم على عقله فيعقل حقيقة الأمر مع حكم وهمه من غير تأخر فيجمع في الآن بين حكم العقل والوهم كما جمع بين الأمور التي كان بها إنسانا كذلك يجمع بين أحكامها وفيه علم مراتب القرآن في الناس فيكون في حكم طائفة على غير حكمه في طائفة أخرى فهذا بعض ما يحوي عليه هذا المنزل من العلوم مجملا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الأحد والسبعون وثلاثمائة في معرفة منزل سر وثلاثة أسرار لوحية أمية محمدية) لو وجدنا ملكا نستعبده * أو فتى ذا كرم نسترفده لبذلنا مهج النفس له * واتخذناه إماما نقصده إنما الخلق عيال كله * والذي قام بهم لا أجحده وكما قام بهم قاموا به * فالتفت رمزى ترى ما أقصده وكما كنا به كان بنا * وبهذا القدر كنا نعبده وإذا لم يك عيني لم يكن * وإذا ما لم يكن لا أشهده فغناه غير معلوم لنا * إذ تعالى وتعالى مشهده إنما الحق الذي أعرفه * والد الكون وكوني ولده قوله وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق اعلم أن الله هو اللطيف الخبير العلي القدير الحكيم العليم الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير فنزه وشبه فتخيل من لا علم له أنه شبه لكن الفظ المشترك هو الذي ضمن لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد مرجع الدرك ولما خلق الله الأشياء وذكر أن له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين وضع الأسباب وجعلها له كالحجاب فهي توصل إليه تعالى كل من علمها حجابا وهي تصد عنه كل من اتخذها أربابا فذكرت الأسباب في إنبائها إن الله من ورائها وإنها غير متصلة بخالقها فإن الصنعة لا تعلم صانعها ولا منفصلة عن رازقها فإنها عنه تأخذ مضارها ومنافعها فخلق الأرواح والأملاك ورفع السماوات قبة فوق قبة على عمد الإنسان وأدا الأفلاك ودحى الأرض ليميز بين الرفع والخفض وعين الدنيا طريقا للآخرة وأرسل بذلك رسله تترى لما خلق في العقول من العجز والقصور عن معرفة ما خلق الله من أجرام العالم وأرواحه ولطائفه وكثائفه فإن الوضع والترتيب ليس العلم به من حظ الفكر بل هو موقوف على خبر الفاعل لها والمنشئ لصورها ومتعلق علم العقل من طريق الفكر إمكان ذلك خاصة لا ترتيبه فإن الترتيب لا يعرف إلا بالشهود في الأشخاص حتى يقول هذا فوق هذا وهذا تحت هذا وهذا قبل هذا وهذا بعد هذا والعقل يحكم بالإمكان في ذلك كله ثم إن الله تعالى قدر في العالم العلوي المقادير والأوزان والحركات والسكون في الحال والمحل والمكان والمتمكن فخلق السماوات وجعلها كالقباب على الأرض قبة فوق قبة على الأرض كما سنوقفك في هذا الباب على شكل وضع عالم الأجرام وجعل هذه السماوات ساكنة وخلق فيها نجوما جعل لها في سيرها وسباحتها في هذه السماوات حركات مقدرة لا تزيد ولا تنقص وجعلها عاقلة سامعة مطيعة وأوحى في كل سماء أمرها ثم إن الله لما جعل السباحة للنجوم في هذه السماوات حدثت لسيرها طرق لكل كوكب طريق وهو قوله والسماء ذات الحبك فسميت تلك الطرق أفلاكا فالأفلاك تحدث بحدوث سير الكواكب وهي سريعة السير في جرم السماء الذي هو مساحتها فتخترق الهواء المماس لها فيحدث لسيرها أصوات ونغمات مطربة لكون سيرها على وزن معلوم فتلك نغمات الأفلاك الحادثة من قطع الكواكب المسافات السماوية فهي تجري في هذه الطرق بعادة مستمرة قد علم بالرصد مقادير تلك الحركات ودخول بعضها على بعض في السير وجعل سيرها للناظر بين بطء وسرعة وجعل لها تقدما وتأخرا في أماكن معلومة من السماء تعين تلك الأماكن أجرام الكواكب فإن أجرام السماوات
(٤١٦)