يبتلي الله به عباده فإذا أضافوا ذلك إلى هذه القوي الروحانية وجردوه عن نظر الله إليه في ذلك بهذا القدر يسمون كفارا وإن كانوا مصيبين فيما قالوه فإنه هكذا رتب الله العالم ولكن أتى عليهم من جهلهم في علمهم فمن هنا قالت الطائفة العلم حجاب وإن كان الأمر ليس كذلك فإن علمهم بهذا لا ينافي العلم بأن الله أودع هذا في روحانياتها فما أتى عليهم على الحقيقة من علمهم وإنما أتى عليهم من جهلهم فلما تبينت طرق السعادة بالرسل قال تعالى إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا وما بقي بعد هذا إلا أن يوفق الله عباده للعمل بما أمرهم الله به من اتباع رسوله ص فيما أمر ونهى والوقوف عند حدوده ومراسمه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ويحوي هذا المنزل على علم التنزيه وعلم الأسماء وعلم الابتلاء وعلم النسب وعلم العلل وعلم الأخبار وعلم مأخذ الأدلة وسبب كثرتها على المدلول الواحد وعلم الاختصاص وعلم المراتب وعلم الصفات وعلم القضاء وعلم الإمامة وعلم الشرائع وعلم الانتقالات وعلم الرجاء وعلم أسباب الفوز والبقاء وعلم الترجيح ومن هذا العلم اتبع الناس أهواءهم وتركوا الحق ونبذوه فالله يعصمنا من قيام هذه الصفة بنا فسبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك (الباب الثالث والعشرون وثلاثمائة في معرفة منزل بشرى مبشر لمبشر به وهو من الحضرة المحمدية) جاء المبشر بالرسالة يبتغي * أجر المجئ من الكريم المرسل فأتى به ختم الولاية مثل ما * ختم النبوة بالنبي المرسل ولنا من الختمين حظ وافر * ورثا أتانا في الكتاب المنزل يريد قوله يرثني ويرث من آل يعقوب اعلم أن المشيئة الإلهية لما كان لها أثر في الفعل لهذا نفى تعلقها بما لا يقبل الانفعال من حيث مرجحه لا من حيث نفسه بخلاف مشيئة العبد فإنها إذا وقعت وتعلقت بالمشاء قد يكون المشاء وقد لا يكون ولهذا شرع الله لنا إذا قلنا نفعل كذا إن نقول إن شاء الله حتى إذا وقع ذلك الفعل الذي علقناه على مشيئة الله كان عن مشيئة الله بحكم الأصل ولم يكن لمشيئتنا فيه أثر في كونه لكن لها فيه حكم وهو أنه ما شاء سبحانه تكوين ذلك الشئ إلا بوجود مشيئتنا إذ كان وجودها عن مشيئة الله فلا بد من وجود عين مشيئتنا وتعلقها بذلك الفعل وهو قوله وما تشاءون إلا أن يشاء الله يعني أن تشاؤا وفائدة إخبار الله تعالى بأنه لو شاء لفعل كذا مع كون كذا يستحيل وقوعه عقلا لكون المشيئة الإلهية لم تتعلق به إعلام لنا أن ذلك الأمر الذي نفى تعلق المشيئة الإلهية بكونه ليس يستحيل وقوعه بالنظر إلى نفسه لإمكانه فإنه يجب له أن يكون في نفسه قابلا لأحد الأمرين فيفتقر إلى المرجح بخلاف المحال لنفسه فإنه يستحيل نفي تعلق المشيئة بكونه فإنه لا يكون لنفسه فإن بعض الناس ذهب إلى أن الله تعالى لو أراد إيجاد ما هو محال الوجود لنفسه لأوجده وإنما لم يوجده لكونه ما أراد وجود المحال الوجود فصاحب هذا القول يقول إن الحق أعطى المحال محاله والواجب وجوبه والممكن إمكانه فهذا القائل لا يدري ما يقول فإنه سبحانه واجب الوجود لنفسه فيلزمه إن يكون هو الذي أعطى لنفسه الوجوب ولو شاء لم يجب وجوده فكان وجود الحق مرجحا لنفسه فهو كما قال القائل أراد أن يعربه فأعجمه فإنه أراد أن ينسب إليه تعالى نفوذ الاقتدار ولم يعلم متعلق الاقتدار ما هو فعلقه بما لا يقتضيه وصبر الحق في قبيل الممكنات من حيث لا يشعر فكانت فائدة إخبار الله تعالى بقوله لو شاء فيما لا يقع إعلام إنه بالنظر إلى ذاته ممكن الوقوع ليفرق لنا سبحانه بين ما هو في الإمكان وبين ما ليس بممكن فنفى تعلق المشيئة والإرادة به فإذا علقها بالمحال على جهة نفي تعلقها مثل قوله لو أراد الله أن يتخذ ولدا ولو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا وهذا محال لنفسه فكيف أدخله تحت نفي تعلق الإرادة التي لا يدخل تحتها إلا الممكن وهو الذي أشار إليه هذا الذي جهلناه وخطأناه في قوله فاعلم إن هذا من غاية الكرم الإلهي حيث إنه قد سبق في علمه إيجاد مثل هذا الشخص من فساد العقل الذي قد قضى به له في قسمه فلما قضى بهذا علم إن عقله لا بد أن يعتقد مثل هذا وهو غاية الجهل بالله فأخبر الله تعالى بنفي تعلق الإرادة بالمحال الوقوع لنفسه فيأخذ الكامل العقل من ذلك نفي تعلق الإرادة بما لا يصح أن تتعلق به ويأخذ منه هذا الضعيف العقل أنه سبحانه لولا ما قال لو وإلا كان يفعل فيستريح إلى ذلك
(٨٤)