أعطيناك منها في هذا الباب أنموذجا وعلى هذا الأسلوب تكون الأحوال المنسوبة إلى الرجال وأما الأحوال في نفوسها فلها الحكم العام في كل شئ ولها الوجود الدائم في كل شئ ففعل الحال يسمى الدائم ويتعلق بالقديم والمحدث قال تعالى سنفرغ لكم أيه الثقلان فهذا من الحال إن كنت تعلم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى السفر العشرون من الفتوحات المكية (الباب السادس وثلاثمائة في معرفة منزل اختصام الملأ الأعلى من الحضرة الموسوية) تخاصم الملأ العلوي برهان * مع اعتراض بدا منهم ونسيان على تناسبنا في أصل خلقتنا * في الطبع وهو كمال فيه نقصان إن الطبيعة دون النفس موضعها * فحكمها في الهباء الكل جثمان وإن تولد عن روح وعن فلك * عناصر هي في الأبيات أركان فكل جسم له روح مدبرة * من طبعه فهو نوام ويقظان وكل جسم فإن الطبع يحكمه * فالجسم والروح تنور وبركان فانظر ترى عجبا إذ ليس يخرج عن * حكم الطبيعة أملاك وإنسان وما أنا قلت هذا بل أتتك به * الأنبياء وتوراة وقرآن وأما ما يتضمنه هذا المنزل من العلوم علم المقامات مقامات الملائكة من العالم ومرتبتهم وهل يعلم ذلك هنا أو في الدار الآخرة وعلم المقام الذي ظهر منه في العالم علم الخلاف الواقع في العالم والجدلي وما له من أحوال الأسماء الإلهية المعارضة كالغفار والمنتقم إذا طلب كل واحد منهما حكمه في العاصي وعلم الأرض ولأي سبب وجدت وعلم الجبال وهل هي من الأرض أم لا وهل وجدت دفعة أو كما ذهبت إليه الحكماء وعلم النكاح الساري في العالم العقلي والمعنوي والحسي والحيواني وعلم النوم وهل هو في الجنة أم لا وهل له حكم في العالم الإلهي وعلم الليل والنهار واليوم والزمان وعلم السماوات وعلم الشمس وعلم المولدات وعلم الغيوب وعلم الآخرة وما يتعلق به من تفاصيله وعلم الأسباب الأخروية وعلم كلام الرحمن وهل ينسب إليه الكلام كما ينسب إلى الاسم الله أم لا وعلم السكتة العامة وعلم ما جاءت به الرسل من التعريفات لا من الأحكام فهذه أمهات المسائل من العلوم التي يتضمنها هذا المنزل فلنذكر منها ما يسر الله على لساني والله المؤيد سبحانه والمعين وعليه أتوكل وبه أستعين يقول الله تعالى مخبرا عن نبيه ص ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ولما قال النبي ص في أن اختصام الملأ الأعلى في الكفارات ونقل الاقدام إلى الصلاة في الجماعات وإسباغ الوضوء في المكاره والتعقيب في المساجد أثر الصلوات فمعنى ذلك أي هذه الأعمال أفضل ومعنى أفضل على وجهين الواحد أي الأعمال أحب إلى الله من هذه الأعمال والوجه الآخر أي الأعمال أعظم درجة في الجنة للعامل بها وأما أسرار هذه الأعمال فهي التي يطلبها هذا المنزل فاعلم ابتداء أن الملائكة ع لو لم تكن الأنوار التي خلقت منها موجودة من الطبيعة مثل السماوات التي عمرتها هؤلاء الملائكة فإنها كانت دخانا والدخان والبخار من عالم الطبيعة فالبخار غايته دون دائرة الزمهرير وذلك أن الأبخرة إنما تصعد بما فيها من الحرارة وتنزل عن الدخان بما فيها من الرطوبة فإن الأبخرة عن الحرارة التي في الأرض فإن هذه العناصر مركبة من الطبائع الأربع غير أنه ما هي في كل واحدة منها على الاعتدال فما غلب عليه برده ورطوبته سمي ماء وكذلك ما بقي فالبخار الخارج من الماء والأرض إنما هو بما فيهما من الحرارة وإنما علا الدخان فوق كرة الأثير لغلبة الحرارة واليبوسة عليه لأن كمية الحرارة واليبس فيه أكثر من الرطوبة ولذلك كانت السماوات أجساما شفافة وخلق الله عمار كل فلك من طبيعة فلكه فلذلك كانت الملائكة من عالم الطبيعة ونعتوا بأنهم يختصمون والخصام لا يكون إلا فيمن ركب من الطبائع لما فيها من التضاد فلا بد فيمن يتكون عنها إن يكون على حكم الأصل فالنور الذي خلقت منه الملائكة نور طبيعي فكانت الملائكة فيها الموافقة من وجه والمخالفة من وجه فهذا سبب اختلاف الملأ الأعلى فيما يختصمون فيه فلو أن الله
(٢٦)