دليل وهم الذين علموا الآيات والدلالات والمعجزات وهؤلاء هم الذين يشفع فيهم النبيون ومنهم المؤمن تقليدا بما أعطاه أبواه إذ ربياه أو أهل الدار التي نشأ فيها فهذا النوع يشفع فيهم المؤمنون كما أنهم أعطوهم الايمان في الدنيا بالتربية وأما الملائكة فتشفع فيمن كان على مكارم الأخلاق في الدنيا وإن لم يكن مؤمنا وما ثم شافع رابع وبقي من يخرجه أرحم الراحمين وهم الذين ما عملوا خيرا قط لا من جهة الايمان ولا بإتيان مكارم الأخلاق غير إن العناية سبقت لهم أن يكونوا من أهل تلك الدار وبقي أهل هذه الدار الأخرى فيها فغلقت أبواب الدار وأطبقت ووقع الياس من الخروج فحينئذ تعم الرحمة أهلها لأنهم قد يئسوا من الخروج منها فإنهم كانوا يخافون منها الخروج لما رأوا إخراج أرحم الراحمين وهم قد جعلهم الله على مزاج بصلح لساكن تلك الدار ويتضرر بالخروج منها كما قد بيناه فلما يئسوا فرحوا فنعيمهم هذا القدر وهو أول نعيم يجدونه وحالهم فيها كما قدمناه بعد فراع مدة الشقاء فيستعذبون العذاب فتزول الآلام ويبقى العذاب ولهذا سمي عذابا لأن المال إلى استعذابه لمن قام به كما يستحلي الجرب من يحكه فإذا حكه من غير جرب أو غير حاجة من يبوسة تطرأ على بعض بدنه تألم بالحك هكذا الأمر يقتضيه حال المزاج الذي يعرض للإنسان فافهم نعيم كل دار تسعد إن شاء الله تعالى ألا ترى إلى صدق ما قلناه إن النار لا تزال متألمة لما فيها من النقص وعدم الامتلاء حتى يضع الجبار فيها قدمه وهي إحدى تينك القدمين المذكورتين في الكرسي والقدم الأخرى التي مستقرها الجنة قوله وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم فالإسم الرب مع هؤلاء والجبار مع الآخرين لأنها دار جلال وجبروت وهيبة والجنة دار جمال وأنس وتنزل إلهي لطيف فقدم الصدق إحدى قدمي الكرسي وهما قبضتان الواحدة للنار ولا يبالي والأخرى للجنة ولا يبالي لأنهما في المال إلى الرحمة فلذلك لا يبالي فيهما ولو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له من عدم المبالاة ما وقع الأخذ بالجرائم ولا وصف الله نفسه بالغضب ولا كان البطش الشديد فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعد له وقد قيل في أهل التقوى إن الجنة أعدت للمتقين وقال في أهل الشقاء وأعد لهم عذابا أليما فلو لا المبالاة ما ظهر هذا الحكم فللأمور والأحكام مواطن إذا عرفها أهلها لم يتعد بكل حكم موطنه وبهذا يعرف العالم من غير العالم فالعالم لا يزال يتأدب مع الله ويعامله في كل موطن بما يريد الحق أن يعامله به في ذلك الموطن ومن لا يعلم ليس كذلك فبالقدمين أغنى وأفقر وبهما أمات وأحيا وبهما أهل وأقفر وبهما خلق الزوجين الذكر والأنثى وبهما أذل وأعز وأعطى ومنع وأضر ونفع ولولاهما ما وقع شئ في العالم مما وقع ولولاهما ما ظهر في العالم شرك فإن القدمين اشتركتا في الحكم في العالم فلكل واحدة منهما دار تحكم فيها وأهل تحكم فيهم بما شاء الله من الحكم وقد أومأنا إليه وإلى تفاصيله فإن الأحكام كالحدود تتغير بتغير الموجب لها فالمحدود في الافتراء يحد بحد لا يقام فيه إذا قتل بل يتولاه حد آخر خلاف هذا والمفتري هو القاتل عينه فتغيرت الحدود عليه لتغير الموجب لها فافهم فكذلك أحوال الأحكام الإلهية تتغير لتغير المواطن فالعناية الكبرى التي لله بالعالم كون استواءه على العرش المحيط بالعالم باسمه الرحمن وإليه يرجع الأمر كله ولذلك هو أرحم الراحمين لأن الرحماء في العالم لولا رحمته ما كانوا رحماء فرحمته أسبق ولما كانت القدمان عبارة عن تقابل الأسماء الإلهية مثل الأول والآخر والظاهر والباطن ومثل ذلك ظهر عنها في العالم حكم ذلك في عالم الغيب والشهادة والجلال والجمال والقرب والبعد والهيبة والأنس والجمع والفرق والستر والتجلي والغيبة والحضور والقبض والبسط والدنيا والآخرة والجنة والنار كما إن بالواحد كان لكل معلوم أحدية يمتاز بها من غيره كما إن عن الفردية وهي الثلاثة ظهر حكم الطرفين والواسطة وهي البرزخ والشئ الذي هو بينهما كالحار والبارد والفاتر وعن الفردية ظهرت الأفراد وعن الاثنين ظهرت الأشفاع ولا يخلو كل عدد أن يكون شفعا أو وترا إلى ما لا يتناهى التضعيف فيه والواحد يضعفه أبدا فبقوة الواحد ظهر ما ظهر من الحكم في العدد والحكم لله الواحد القهار فلو لا أنه سمي بالمتقابلين ما تسمى بالقهار لأنه من المحال أن يقاومه مخلوق أصلا فإذا ما هو قهار إلا من حيث إنه تسمى بالمتقابلين فلا يقاومه غيره فهو المعز المذل فيقع بين الإسمين حكم القاهر والمقهور بظهور أحد الحكمين في المحل فلذلك هو الواحد من حيث إنه يسمى القهار من حيث أنه يسمى بالمتقابلين ولا بد من نفوذ حكم أحد الإسمين فالنافذ الحكم هو القاهر
(٤٦٣)